فإذا هو بغلام كما عذر (1) حسن الوجه فأومأ إليه فجاءه فعرفه خبره فقال له الغلام عندي ما تأكل قم فأخذ بيده وأدخله إلى بعض الصحون التي يجلس فيها الوزير فأجلسه في صفة (2) مقابلة للمجلس وقال للغلمان هاتوا فأحضرت مائدة عليها من البوارد (3) التي لم ير أحسن منها ومن سائر ما يكون للملوك (4) ونقل الطعام الحار (5) والبارد والمشوي والرجل يأكل أكل جائع فإذا الوزير نجاح بن سلمة قد دخل فالتفت إلى الصفة فرآه فتبسم ومضى إلى المجلس فجلس وقال لبعض الغلماء امض إلى الرجل فأقرئه مني السلام وقل له بحياتي عليك إن احتشمت وكل حتى تستوفي ما تحتاج إليه فرد الرسول إليه وقال له وحق رأسك يا سيدي لا قصرت فيما أمرت به وتشاغل عنه بما يحتاج إليه والرجل يجيد الأكل ونقل إليه من الحلوى شئ كثير فلما فرغ من ذلك وغسل يديه جاءه الغلام بالبخور فتبخر واستدعاه الوزير فقال له الحساب فأخرجه إليه ونظر فيه ساعة ثم قال له بارك الله فيك إن أستاذي في الكتبة عمرو بن مسعدة والله الذي لا إله إلا هو إن كان يحسن يعمل مثل هذا في صحنه وفتح الدواة ووقع على كل فصل منه صح صح صح حتى أتى على آخره فقبل محمد بن مسلمة يده فقال عد إلى أهلك آمنا وأسرع إليهم وقام لينصرف فلما بعد من بين يديه قال للغلام رده فرده فقال له يا محمد بن مسلمة اجلس فلما جلس قال إني لم أردك إلا لشئ أوصيك به في ثلاث حوائج لي فقال يأمر الوزير بما شاء فقال حاجتي إليك أولا أعلم أني لأعلم (6) أن جيرانك لما غبت عنهم هذا الزمان وأنت منسحب منهم من بني فزاد عليك في السمك ومنهم من ترك خشبة في حائطك ومنهم من حفر بئرا بقرب دارك فبحياتي عليك إن استطلت عليهم بقربك مني ومنزلتك عندي واجعل هذه ثلث ما أردت أخذه منك وأصدقاؤك وإخوانك ومعاشروك تقول غبت فسبوني (7) وذكروني فإذا لقيتهم فالقهم بوجه من بلغك عنهم كل جميل وابسط خلقك لهم بسط غير متكلف وعاشرهم بأحسن معاشرة ولا تشمخ عليهم
(٤٥٣)