يرى إلا عظما وتضرما ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنا فلا رأى ذلك من أمرها أعجبته ولا يدري على ما يضع أمرها إلا أنه ظن أنها شجرة تحترق أوقد إليها موقد قبالها وأنه ظن أنها تمنع النار أن تحرقها شدة خضرتها وكثرة مائها فوضع أمرها على هذا فوقف وهو يرجو أن يسقط منها شيئا يقتبسه فلما طال ذلك عليه ارتم إليها ضغثا من رقاق الحطب والشيح ثم أهوى به ليقتبس منها من لهبها فلما فعل ذلك مالت إليه كأنها تريده فتأخر عنها وهابها ثم عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع بها ويطوف حولها ثم لم يك شئ بأوشك من طرفة عين من خمودها حتى كأن لم تكن فعند ذلك أعجبه شأنها ونظر في أمرها وتدبر فقال نار توقد في جوف شجرة لا تحرقها وتمنعه فلا يقتبس منها ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين إن لهذه لشأنا فوضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة لا يدري لما (1) أمرت ولا من أمرها ولا لمن صنعت ولا من صنعها فوقف متحيرا لا يدري أيرجع أم يقيم ثم رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هي أشد ما كانت خضرة وإذا خضرتها ساطعة في السماء ينظر إليها تشتق الظلام وتجلوه ثم لم تزل الخضرة تنور وتسفر وتبيض حتى عادت نورا ساطعا ما بين السماء والأرض فيها شعاع مثل شعاع الشمس تكل دونه الأبصار فلما نظر إليها تكاد تخطف بصره فخمر عينيه بثوبه ولصق بالأرض فعند ذلك اشتد رعبه (2) وهمه وأحزنه شأنها وجعل يسمع الحس والوجس إلا أنه يسمع شيئا لم يسمع السامعون مثله عظما (3) لا يدري ما هو فلما اشتد به الهول وبلغه الكرب وكان أن يخالطه في عقله نودي من الشجرة أن يا موسى فأسرع الإجابة وما ذلك منه حينئذ إلا للاستئناس بالصوت حين سمعه لما قد بلغه من الوحشة والخوف فقال لبيك لبيك مرارا إني أسمع الصوت وأوجس الوجس ولا أرى مكانك فأين أنت فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك ومحيط بك وأقرب إليك منك من نفسك فلما سمع هذا موسى علم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله عز وجل قال كذلك أنت يا إلهي أكلامك أسمع أم رسولك فقال بل الكلام كلامي والنور نوري وأنا رب العالمين يا موسى أنا الذي أكلمك فادن مني فجمع يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائما وما كاد فارتعدت
(٤٥)