سيرتهما فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي جالس معهم فسمعته يقول أخبرنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا واكتسينا منها (1) فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأتينا ابنه عبد الله بن عمر وهو جالس في المسجد فشكوا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال عبد الله إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباسا لم ير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يلبسه ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البزة التي كان يعهدنا فيها فقام يسلم علينا على رجل رجل ويعانق منا رجلا رجلا حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك فقدمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية فعرض عليه في الغنائم سلالا من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر فذاقه عمر فوجده طيب الطعم طيب الريح فأقبل علينا بوجهه وقال والله يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام ثم أمر به فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من المهاجرين والأنصار ثم إن عمر قام منصرفا فمشى وراءه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أثره فقال ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار (2) إلى (3) زهد هذا الرجل وإلى حليته (4) لقد تقاصرت إلينا أنفسنا قد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر وطرفي المشرق والمغرب ووفود العرب والعجم يأتونه فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة فلو سألتم معاشر أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والسابقين من المهاجرين والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب لين يهاب فيه منظره ويغدي عليه حفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكله ومن حضره من المهاجرين والأنصار فقال القوم بأجمعهم ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب فإنه أجرأ الناس عليه وصهره (5) على
(٢٩٣)