ذكره ابن قتيبة في كتابة فقال أراد القوم اللحن الذي هو الخطأ وذهب معاوية إلى اللحن الذي هو الفطنة قال والأول بسكون الحاء والثاني بفتحها قال وأما قول الآخر * منطق صائب وتلحن أحيانا * وخير الحديث ما كان لحنا (1) * فإنه أراد اللحن الذي هو الخطأ كأنه استملحه في المرأة واستثقل منها الأعراب قال وكان بعضهم يذهب في قول معاوية في عبيد الله بن زياد هذا المذهب ولا أراه كذلك قال أبو سليمان والأصل الذي يجري عليه عادة البيان ان يكون الجواب وفقا للسؤال ومحمولا على حكمه وما دام التوفيق ممكنا فالتفريق لا وجه له ومن البعيد الممتنع أن يكون معاوية وقومه وهم عرب صرحاء إذا تخاطبوا لم يتفاهموا وإن يذهب بعضهم عن مراد بعض هذا الذهاب وأن يتباينوا هذا التباين واللغة واحدة والعيون متواجهة والأسباب إلى المقاصد مشيرة وعليها دليله مثل هذا الوصف ينبو عنهم ولا يليق بهم وفي تأويل هذا الكلام وجوه أحدها أن يكون القوم إنما أرادوا اللحن الذي هو الخطأ وأن يكون معاوية قد استحسن منه السهولة في كلامه وابتذال السليقة في خطابة ورأى أن تركه تفخيم الكلام وإشباعه بالاعراب نوع من الطرف وباب من الأخذ بحقه المؤونة في إفهام من يخاطبه ممن لا يتسع لمعرفة الإعراب ولا يكمل لضبطه عنه لا سيما وهو أمير أو رئيس ينتقد قوله وتلزم طاعته وقد نحا هذا النحو جماعة من كمله الرؤساء وأجله الولاة والأمراء وقال بعضهم لأصحابه لا تستعملوا الإعراب في كلامكم إذا خاطبتم ولا تخلوا منه كتبكم وإذا كاتبتم وعابوا الحجاج حين يقول لطباخه أتخذ لنا (2) وأكثر فيحها فخرج يسأل عنها فلم يكن بحضرته أحد يفهم ما أراد حتى عادوا إليه فسألوه فقال إنما قلت له اتخذ لنا سماقيه وأكثر فيها السذاب ودخل الجند على بعض الولاة ببغداد أيام فتنة المستعين فقالوا قد اقتحم الأتراك من بعض أبواب المدينة فقال لهم استلموا سدقة فخرجوا يسألون عن هذا الكلام ولا يفهمونه حتى جاءوا إلى باب تغلب فقال يقول لكم بكروا واغدوا في السلاح فهذا وجه والثاني أن يكون القوم إنما أرادوا به لحن الفطنة كما أرادها معاوية الا أنهم لم يجعلوا قولهم على أنه يلحن استثناء من قولهم طريف لكنهم إنما أرادوا بذلك المبالغة في مدحه
(٤٣٩)