تخلى وتفرد لعبادة ربه فحضرت العابد الوفاة فأتاه أخوه صاحب السلطان وكان عبد الملك بن مروان قد ولاه بلادنا وأتاه التاجر فقالا له توصي بشئ (1) قال والله ما لي مال أوصي فيه ولا علي دين فأوصي به ولا أخلف من الدنيا عرضا فقال ذو السلطان هذا مالي يا أخي فاعهد إلي بما أحببت فأمسك عنه وقال التاجر قد عرفت مكسبي ولعل في قلبك غصة من الخير لم تبلغها إلا بالاتفاق فاحكم في مالي بما أنفذه لك قال لا حاجة لي في مالكما ولكن أعهد إليكما عهدا فلا تخالفاه إذا مت فادفناني على نشز (2) من الأرض واكتبا على قبري:
* وكيف يلذ العيش من هو عالم * بأن إله العرش لا بد سائله فيأخذ منه ظلمه لعباده * ويجزيه بالخير الذي هو فاعله * ثم زورا قبري ثلاثة أيام لعلكما تتعظان ففعلا ذلك وكان أخوه يركب في جنوده حتى يأتي قبره فيقرأ عليه ويبكي فلما كان اليوم الثالث أتى القبر فلما أراد الانصراف سمع داخل القبر هدة (3) أرعبته وأفزعته فانصرف مذعورا وجلا فلما كان الليل رأى أخاه في منامه فقال أي أخي ما الذي سمعت في قبرك قال تلك هذه المقمعة (4)، قيل لي رأيت مظلوما فلم تنصره فأصبح فدعا أخاه وخاصته فقال ما رأى أخي أراد بما أوصانا أن يكتب على قبره إلا لنعتبر ونراجع ونتوب وإني أشهدكم أني لا أقيم بين ظهرانيكم أبدا فترك الإمارة ولزم العبادة وبلغ ذلك عبد الملك فقال خلوه وما اختار لنفسه وكان مأواه البراري والجبال وبطون الأودية فحضرته الوفاة وهو مع بعض الرعاء فأتى الراعي أخاه فاعلمه فأتاه فحمله إلى منزله قبل موته فقال يا آخي ألا توصي إلي فقال ما لي مال ولا علي دين فأوصيك ولكن أعهد إليك إذا أنا مت فاجعل قبري إلى جنب قبر أخي واكتب عليه:
* وكيف يلذ العيش من هو موقنا * بأن المنايا بغتة ستعاجله وتسلبه ملكا عظيما ونخوة * وتسكنه البيت الذي هو آهله *