أوجزت لك إن كنت وليه وإن كنت عدوه فما ينفعك أن أرمي عن قوس بغير وتر قال سليمان يا غلام هات مائة دينار ثم قال خذها يا أبا حازم قال أبو حازم لا حاجة لي فيها ولي ولغيري في هذا المال إسوة إن أيست (1) بيننا وإلا فلا حاجة لي فيها إني أخاف يعني أن تكون أعطيتنيها لما سمعت من كلامي إن موسى لما هرب من فرعون وورد ماء مدين وجد عليه الجاريتين تذودان قال ما لكما عون قالتا لا قال فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال " رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير " فلم يسأل الله أجرا على دينه فلما عجل بالجارتين الانصراف أنكر ذلك أبوهما قال ما أعجلكما اليوم قالتا وجدنا رجلا صالحا فسقى لنا قال ما سمعتماه يقول قالتا سمعناه يقول " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فقال ينبغي أن يكون هذا جائعا فتنطلق إحداكما فتقول " إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " قال فجزع موسى من ذلك وكان طريدا في فيافي وصحاري فأقبل والجارية أمامه فهبت الريح فوصفتها له وكانت خلف وادي السمر فلما بلغ الباب دخل فإذا شعيب وإذا الطعام موضوع فقال شعيب أصب يا بني من هذا الطعام قال موسى أعوذ بالله قال له شعيب ولم قال موسى لأنا من بيت لا نبيع ديننا بملء ء الأرض ذهبا قال شعيب لا والله ولكنها عادتي وعادة آبائي نطعم الطعام ونقري الضيف فجلس فأكل فإن كانت هذه الدنانير عوضا لما سمعت من كلامي فلأن (2) آكل الميتة والدم في حال الضرورة أحب إلي من أخذها فكأن سليمان قد أعجب بأبي حازم قال بعض جلساء سليمان يا أمير المؤمنين يسرك أن يكون الناس كلهم مثله قال لا قال الزهري إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته قط قال أبو حازم لأنك نسيت الله فنسيتني ولو أحببت الله لأحببتني قال الزهري فلا تشتمني قال سليمان بل أنت شتمت نفسك أما علمت أن للجار على الجار حقا قال أبو حازم إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا ذلك العلم وأتوا به إلى الأمراء فاستغنت به عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطوا ونفسوا وانتكسوا ولو
(٤٠)