شكرك لمن غذاك (1) بنعمه صغيرا وكبيرا وأنظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه في الناس بخيلا وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته ستيرا وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ما لك لا تنتبه من نفسك (2) وتستقيل من عثرتك وتقول والله ما قمت لله مقاما واحدا أحي له فيه دينا ولا أميت له فيه باطلا إنما شكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه أما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عز وجل " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا (3) " الآية إنك لست في دار مقام قد أوذنت بالرحيل ما بقاء المرء بعد أقرانه طوبى لمن كان في الدنيا على رجل يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك ليس أحد أهلا أن تردفه (4) على ظهرك ذهبت الهدة (5) وبقيت التبعة ما أشقى من سعد بكسبه غيره احذر فقد أتيت وتخلص فقد وهلت إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك ولا تغفل تجهز فقد دنا منك سفر وداو دينك فقد دخله سقم شديد ولا تحسبن أني أردت توبيخك أو تعييرك وتعنيفك ولكني أردت أن ينعش ما فات من رأيك ويرد عليك ما عزب عنك من حلمك وذكرت قوله تعالى " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " (6) أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه وهل تراه ادخر لك خيرا منعوه أو علمك شيئا جهلوه بل جهلت ما ابتليت به في حالك في صدور العامة وكلفهم بك أن صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك إن أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا وليس ذلك عندك ولكنهم إكثارهم عليك ورغبتهم فيما في يديك ذهاب عماهم (7) وغلبة الجهل عليك وعليهم وطلب حب الرئاسة فطلبوا الدنيا منك ومنهم أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة وما الناس فيه من البلاء والفتنة ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم
(٤٣)