فلما قفل من تلك المغازي وانتهى بنيسابور اشتكى بها وكان معه غلام له يسمى كعبا كان كعب مولعا بالشراب يخرج عند أول النهار ولا يعود حتى يظلم الليل وإذا دعاه لم يجبه ولم يشبع بشئ منه فعيل صبره واغتاظ وقدم عليه نفر من رهطه فسألوا عنه فوجدوه مريضا مدنفا فما رأوا حاله قالوا نحملك قال ما في محمل قالوا فنقيم عليك حتى يقضي الله في أمرك ما شاء قال كلا إني عزفت شوق العاقل فاستوثق منهم باليمين وأخذ منهم ليفعلن بغلامه ما يأمرهم به وقد عرضوا عليه النفقة فقال انظروا ما في الخرج فنظروا فإذا بقية فاضلة قال إن غلامي هذا قد أبى علي واستعصى فهو لا ينفعني وقص عليهم قصته فذهبوا وأقاموه وهو سكران فدعاه فلم يجبه فنادى أصحابه فأمرهم بأخذه والاستيثاق منه ففعلوا وتركوه مقموطا حتى أصبحوا ثم قال رضوا ما بين أطراف أصابعه إلى مرفقه وأصابع رجليه إلى ركبتيه ففعلوا ذلك قال اطرحوه في ناحية البيت حيث أنظر إليه وطفق (1) يقول يا كعب ما راح من قوم ولا ابتكروا * إلا وللموت في آثارهم حادي يا كعب ما طلعت شمس ولا غربت إلا تقرب آجالا لميعادي لا خير فيعيش من يحيى وليس له * ذوو ظعائن لا تخفى وأحقادي ذهبت الرجال فسدت غير مدافع * ومن البلاء تفردي بالسادي وما تحمل قوم نحو طيتهم * إلا وللموت في آثارهم حادي يا كعب كم من حمى قوم نزلت به * على صواعق من زجر وإيعادي يا كعب صبرا (2) وتجزع على أحد * يا كعب لم يبق منها غير أجلادي فيما نقلت أرواح يحشرجها * كرائح داخل أو باكر غادي إنني وإياك والأمثال نضربها * في حين زجر على قرب وابعادي لكالذي قال يوما في معاتبة * والناس شتى إلا لله أجدادي لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي انظر إلى ملك دهر أنت تاركه * هل ترأسين أواخية بأوتادي
(٣٩٦)