وكان يدخل كل بلدة وكانوا يعظمونه وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم حتى جاء إلى مكة ومعه أربعة آلاف رجل من الحكماء والعلماء الذين اختارهم من بلدان مختلفة فلم يتحرك له أحد ولم يعظموه فدعا (1) عليهم ودعاء عميارسنا وقال كيف شأن أهل هذا البلد الذين لم يهابوني ولم يهابوا عسكري كيف شأنهم وأمرهم قال الوزير إنهم غريبون (2) جاهلون لا يعرفون شيئا وإن لهم بيتا يقال له الكعبة وإنهم معجبون بها ويسجدون للطاغوت والأصنام من دون الله عز وجل قال الملك إنهم معجبون بهذا البيت قال نعم فنزل ببطحاء مكة معه عسكره وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت وأن التي سميت كعبة تسمى خربة وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم فأخذه الله عز وجل بالصداع وفتح في عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا فلم يكن يستقر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح فاستيقظ لذلك وقال لوزيره أجمع العلماء والأطباء وشاورهم في أمري فأجمع العلماء والأطباء عنده فلم يصبر أحد منهم ولم يمكنهم مداواته فقال قد جمعت حكماء بلدان مختلفة ووقعت في هذه العلة فلم يقم أحد في مداواتي فقالوا بأجمعهم يا قوم أمرنا أمر الدنيا وهذا أمر سماوي لا نستطيع مرد أمر السماء واشتد الأمر على الملك فتفرق الناس وأمره كل ساعة أشد حتى أقبل الليل وجاء أحد العلماء إلى وزيره فقال إن بيني وبينك سرا وهو أنه إن كان الملك يصدق لي في كلامه وما نواه عالجته فاستبشر بذلك الوزير وأخذ بيده وحمله إلى الملك وقال للملك إن رجلا من العلماء ذكر إن صدق الملك ما نواه في قلبه ولم يكتم شيئا منه عالجته فاستبشر الملك بذلك وأذن له بالدخول عليه فدخل فقال إن بيني وبينك سرا أريد الخلوة فيه فخلا به وقال هل نويت في هذا البيت أمرا قال نعم قال نويت أن أخرب هذا البيت وأقتل رجالهم وأسبي نساءهم فقال إن وجعك وبلاءك من هذا اعلم أن صاحب هذا البيت قوي يعلم الأسرار فيجب أن تخرج من قلبك جميع ما نويت من أذى هذا البيت وذلك خير الدنيا والآخرة قال الملك قد أخرجت جميع المكروهات من قلبي ونويت جميع الخيرات والمعروفات فلم يخرج العالم الناصح العالم حتى برأ من العلة وعافاه الله عز وجل فآمن بالله عز وجل من ساعته وخرج من منزله صحيحا على دين إبراهيم (صلى الله عليه وسلم)
(١١)