تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ١٠ - الصفحة ١٤١
قرأت على أبي غالب بن البنا عن أبي الفتح بن المحاملي أنا أبو الحسن الدارقطني قال وأما قرية فهو أيوب بن القرية صحب بني مروان (1) والحجاج بن يوسف يضرب به المثل في الفصاحة قرأت على أبي محمد السلمي عن أبي بكر الخطيب قال قال أبو الحسن أيوب ابن القرية يضرب المثل في الفصاحة قال الخطيب وذكر أهل النسب أنه أيوب بن يزيد بن قيس بن زرارة بن سلم بن حنتم بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط والقرية التي ينسب إليها هي أم حنتم بن مالك وكان أيوب خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج بن يوسف (2).

(1) بالأصل " هارون " خطأ والصواب ما أثبت عن م.
(2) إلى هنا تنتهي ترجمة أيوب بن القرية بالأصل، وينتقل مباشرة إلى بسر بن أبي أرطأة.
ولا ندري عدد الصفحات الساقطة من ترجمة ابن القرية، ولا عدد التراجم الباقية من حرف الألف.
وسقط كثير من التراجم من بداية حرف الباء إلى ترجمة بسر بن أبي أرطأة، ولا ندري أيضا عددها فقد ذكر ابن منظور في مختصره منها ست عشرة ترجمة، مع الإشارة إلى أنه ليس من الأكيد أنها كل التراجم فمن عادة ابن منظور كما عرفناه إسقاط بعض التراجم.
وللأمانة سنستدرك تتمة ترجمة أيوب بن القرية هنا عن مختصر ابن منظور 5 / 131 وما بعدها:
وكان أيوب خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج بن يوسف. وبعض الناس ينفيه ويقول لم يكن.
قال الأصمعي:
وأربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية.
والحجاج أفصحهم.
وسأل الحجاج ابن القرية عن الصبر؟ فقال: كظم ما يغيظك واحتمال ما ينوبك.
وقال الحجاج لابن القرية.
ما الإرب؟ قال: الصبر على كظم الغيظ حتى تمكنك الفرصة.
قال الحجاج لابن القرية:
الرجال ثلاثة: عاقل وأحمق وفاجر. فالعاقل إن تكلم أجاد، وإن سمع وعى، وإن نطق نطق بالصواب، والأحمق إن تكلم عجل، إن حدث ذهل، وإن حمل على القبيح فعل. الفاجر إن ائتمنته خانك وإن حادثته شأنك.
وفي حديث آخر:
وإن استكتمته سرا لم يكتمه عليك.
قال الجاحظ.
سأل الحجاج ابن القرية عن أضيع الأشياء؟ فقال: سراج في شمس، ومطر في سبخة، وبكر تزف إلى عنين، وطعام متأنق فيه عند سكران ومعروف عند غير أهله.
وفي رواية: وامرأة حسناء تزف إلى أعمى، وطعام طيب يهيأ لشعبان، وصنيعة عند من لا يشكرها.
قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني:
وجه الحجاج بن يوسف أيوب بن القرية إلى عبد الرحمن بن الأشعث عينا عليه بسجستان، فلم يلبث أن غمز به، فأدخل على عبد الرحمن. فقال له: مرحبا بالموصوف عندها بتزين البلاغة. أأنت ابن القرية؟
قال: نعم. أصلح الله الأمير، فقال له عبد الرحمن: أخبرني عن أمر. قال: يسأل الأمير عما أحب. قال:
أخبرني عن الحجاج ما أمره لديك؟ أعلى محجة القصد أم في مجانبة الرشد؟ قال: أسألك الأمان قبل...
البيان، قال: لك الأمان. قال: إن الحجاج على احتجاج في قصد المنهاج... يمنح... الظفر، ويجتنب الكدر، لا تفظعه الأمور، وليس فيها بعثور، في النعماء شكور، وفي الضراء صبور فأنهاك أن تقاوله، وأعيذك بالله أن تطاوله، وهو على تربة العدل لا تزل به النعل، ولا يعرنك الجبن ولك الحق، فإنكم خير داعية وأوثق، قال له عبد الرحمن: كذبت يا عدو الله، والله لأقتلنك. قال: فأين الأمان؟ قال: وكيف الأمان لمن كذب وفجر؟ والله لأقتلنك، أو لتظاهرني عليه. قال: أصلح الله الأمير. إنما أنا رسول. قال:
هو ما أقول لك، فلما رأى أنه غير منته عنه تابعه وأقام معه يصدر له كتبه إلى الحجاج، فجمع له عبد الرحمن الناس فأصعده على المنبر، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الامر الذي يدعوكم الحجاج إليه لم ينزل من السماء، ولم تقم به الخطباء ولم تسنه الأنبياء، ولم تصدر به إلينا من قبله الكتب. ثم نزل، فلم يلبث أن قتل عبد الرحمن وهزم الحجاج الناس، فبعث في طلب الفار، فأتي بابن القرية أسيرا، فلقيه عنبسة بن سعيد، فقال له: أيوب! قال: أيوب، فما وراءك؟ قال: ورائي أنك مقتول، قال: كلا. إني قد أعددت للأمير كملات صغرا صلابا كركب وقوف عند قضين من حاجة وطرا، وقد استقبلن سفرا، قال: هو ما أقول لك. فلما أدخل على الحجاج تجاهل عليه. فقال: من أنت؟ قال: أنا أيوب. قال: يا أيوب ألم تكن في خمول من الدعة، وعدم من المال، وكدر من العيش، وتضعضع من الهيئة، ويأس من بلوغ ما بلغت، فوليتك ولاية الوالد لم أكن يكن لك عندي يد، وأجرتك بها ثم قمت عند عبد الرحمن فقلت: إن الامر الذي يدعوكم إليه الحجاج لم ينزل من السماء ولم ولم، والله لتعلمن يا ابن القرية أن قتلك قد نزل من السماء. قال: أصلح الله الأمير. إني قد أتيت إنسانا في مسك شيطان يتهددني بتخونه ويقهرني بسلطانه، فنطق اللسان بغير ما في القلب. والنصيحة لك ثابتة، والمودة لك باقية. قال:
صدقت يا عدو الله، فلم كنت كاذبا وكان قلبك منافقا وأردت كتمان ما كان الله معلنه منك، وإخفاء ما كان الله يعلمه من سريرتك؟ وكيف علمك بالأرض؟ قال: علمي بها كعلمي ببيتي، قال: فأخبرني عن الهند قال: بحرها در، وترابها مسك، وحطبها عود، وورقها عطر. قال: فأخبرني عن مكة. قال: تمرها دقل، ولصها بطل، إن كثر الجند بها جاعوا: وإن قلوا بها ضاعوا. قال: فأخبرني عن عمان. قال: حرها شديد، وصيدها عتيد، يشدون الجلوف وينزلون الطفوف، كأنهم بهائم ليس لهم راع، قال: فأخبرني عن اليمامة.
قال: أهل جفاء وجلد وطيرة ونكد. قال: فأخبرني عن البصرة. قال: ماؤها مالح، وشربها سانح، مأوى كل تاجر، وطريق كل عابر. قال: فأخبرني عن واسط. قال: جنة بين حماة وكنة. قال: وما حماتها وما كنتها؟ قال: البصرة والكوفة، ودجلة والفرات يحقران شأنها وينقصان الخير عنها. قال: فأخبرني عن الكوفة. قال: ارتفعت عن البحر، وسفلت عن الشام، فطاب ليلها، وكثر خيرها. قال: فأخبرني عن المدينة. قال: رسخ العلم فيها ووضح، وسناؤها قد طفح. قال: فأخبرني عن مكة. قال: رجالها علماء وفيهم جفاء. ونساؤها كساة كعراة. قال: فأخرني عن اليمن. قال: أصل العرب. وأهل بيوتات الحسب.
قال: فأخبرني عن مصر، قال: عروس نسوة، كلهن يزفها. قال: وما ذاك بها؟ قال: فيها الثياب وإليها...
الأموال.
قال: فأمر به بحبس عشرا، ثم أخرجه يوم عيد، فأقعده إلى جانب، المنبر، ثم صعد الحجاج فخطب الناس ونزل، ثم دع به والناس مجتمعون على الموائد، فكفوا عن الطعام، وأقبلوا يستمعون ما يكون من محاورتهما. فقال له الحجاج: يا ابن القرية. كيف رأيت خطبتي؟ قال: أصلح الله الأمير، أنت أخطب العرب. قال: عزمت عليك إلا صدقتني. قال: تكثر الرد، وتشير باليد، وتقول أما بعد. قال له: ويلك! أو ما تستعين أنت بيدك في كلامك؟ قال: لا أصل كلامي بيدي حتى يبق علي لحدي يوم أقضي نحبي. قال:
علمت أني قاتلك؟ قال: ليستبقني الأمير أكن له كما كنت عليه قبل وأنا في طاعته أشد مبالغة وفي مناصحته أشد نصرة، قال له: هيهات، هيهات، كذبتك نفسك، وساء ظنك، وطال أملك، وكان أملك مع سوء عملك الموت قبل ذلك ثم دعا بحربة فجمع بها يده ثم هزها، فجزع أيوب من ذلك جزعا شديدا. فقال:
أصلح الله الأمير، دعني أتكلم بكلمات صعاب صلاب كركب وقوف قد قضين من حاجة وطرا، وقد استقبلن سفرا، يكن مثلا بعدي. قال: هاتهن إنهن لن ينجينك مني. قال: أصلح الله الأمير. إن لكل جواد عثرة، ولكل شجاع سهوة ولكل صارم نبوة، ولكل حليم زلة، ولكل مذنب توبة قال: لا نقيلك عثرتك، ولا تقبل توبتك، ولا يغفر ذنبك. قال أصغني سمعك. قال: قد أصغيتك سمعي. وأقبلت عليك وأنا ممض فيك أمري. قال: أصلح الله الأمير، أنت مهج السالكين، غليظ على الكافرين، رؤوف بالمؤمنين، تام السلاح، كامل الحلم، راسخ العلم، فكن كما قال الأخطل. قال: وما قال؟ قال: قال:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم * وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا قال: ليس هذا حين المزاح، اليوم أروي من دمك السلاح. قال له: قد قال الله عز وجل: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) قال: فأطرق طويلا ثم قال له: أخبرني بأصدق بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول:
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفي ذمة من محمد ولا فقد الماضون، مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد قال: صدقت. فرجا أيوب أن يكون له عنده فرج. قال: أخبرني بأشكل بيت قال الشاعر فأنشأ يقول:
حبذا رجعها يديها إليها * في يدي درعها تحل الازارا ثم قال: أخبرني بأسيرت بيت قال الشاعر. قال:
وكنا الأيمنين إذا التقينا * وكان الأيسرين بنوا أبينا فصالوا صولة فيمن يليهم * وصلنا صولة فيمن يلينا فآبوا بالنهاب وبالسبايا * وأبنا بالملوك مصفدينا فقاله: كذبت يا ابن اللخناء، بل كنتم ألام وأوضع، ثم رفع القناة فوضعها بين ثندوته، ثم غمزها حتى طلع الدم، ثم قال: هكذا يقتل الئيم يا ابن اللخناء، ثم قال: ارفعوه فرفعوه، فجعل يقول: ثكلتك أمك يا ابن القرية لقد فات منك كلام كثير، ومنطق بليغ، لله درك ودرايتك. قيل: قتل الحجاج ابن القرية سنة أربع وثمانين.
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست