ويتحدث الحافظ في مقدمته عن كتابه وعمله ونهجه فيه فقال:
أما بعد، فإني كنت بدأت قديما بالاعتزام، لسؤال من قابلت سؤاله بالامتثال والالتزام على جمع تاريخ لمدينة دمشق، أم الشام، حمى الله ربوعها من الدثور والانفصام، وسلم جرعها من كيد قاصديهم بالاختصام، فيه ذكر من حلها من الأماثل والاعلام، فبدأت به عازما على الانجاز له والاتمام، فعاقت إنجازه واتمامه عوائق الأيام من شدة الخاطر وكلال الناظر وتعاقب الآلام.
فصدقت عن العمل به برهة من الأعوام، حتى كثر علي في اهماله وتركته لوم اللوام، وتحشيم من تحشيمه سبب لوجود الاحتشام، وظهر ذكر شروعي فيه حتى خرج عن حد الاكتنام، وانتشر الحديث فيه بين الخواص والعوام، وتطلع إلى مطالعته أولو النهى وذوو الاحكام، ورقى خبر جمعي له إلى حضرة الملك القمقام (1)، الكامل العادل الزاهد المجاهد المرابط الهمام، أبي القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر الامام، أدام الله ظل دولته على كافة الأنام، وأبقاه مسلما من الاسواء منصور الاعلام، منتقما من عداة المسلمين الكفرة الطغام، معظما لحملة الدين بإظهار الاكرام لهم والاحترام منغما عليهم بإدرار الاحسان إليهم والانعام، عافيا عن ذنوب ذوي الإساءات والاجترام، بانيا للمساجد والمدارس والأسوار ومكاتب الأيتام، راضيا بأخذ الحلال رافضا لاكتساب الحطام، آمرا بالمعروف زاجرا على ارتكاب الحرام، ناصرا للملهوف وقاهرا للظالم العسوف بالانتقام، قامعا لأرباب البدع بالابعاد لهم والارغام، خالعا لقلوب الكفرة بالجرأة عليهم والاقدام، وبلغني تشوقه إلى الاستنجاز له والاستتمام، ليلم بمطالعة ما تيسر منه بعض الإلمام، فراجعت العمل فيه راجيا الظفر بالتمام، شاكرا لما ظهر منه من حسن الاهتمام، مبادرا ما يحول دون المراد من حلول الحمام، مع كون الكبر مظنة العجز ومطية الأسقام، وضعف البصر حائلا دون الاتقان له والاحكام، والله المعين فيه بلطفه على بلوغ المرام.
وانتهى من تصنيفه في مرحلته الأولى سنة 549 ه وبلغ خمسمئة وسبعين جزءا ثم أخذ يزيد فيه، ويضم إليه ما يستجد عنده حتى تمت نسخته الجديدة والمؤلفة من ثمانين مجلدا سنة 559 ه.