بذكر السند ثم يورد الخبر (1).
وهذا يعني أن بعض القضايا التي تشغل بال المؤرخين ويهتمون بها قد يمر بها عرضا، وقد لا يذكرها مطلقا، لأنها لا تدخل في دائرة اهتمامه هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يختلف عن غيره من المؤرخين، فهو يبحث عن مادة معينة يريد أن يقرها في ذهن قارئه، وهناك قضايا أساسية يفتش عنها (2).
وهذا النهج هو الذي تبعه جميع المحدثين الذين سبقوه وألفوا في تاريخ المدن.
وأما التراجم فقد رتبت على حروف الهجاء، وبدأ بمن اسمه أحمد قبل من كان اسمه إبراهيم، واعتبر الحروف في أسماء آبائهم وأجدادهم، وأردف ذلك بمن عرف بكنيته ولم يقف على حقيقة تسمية، ثم بمن ذكر بنسبته وبمن لم يسم في روايته، وأتبعهم بذكر النسوة، والإماء والشواعر.
وابن عساكر حين يترجم لمن يترجم لهم من الشاميين أو غيرهم لا يسوغ الترجمة على أنها نتيجة مطالعاته وقراءاته، ولا يصوغها على أنها خلاصة أفكاره واطلاعاته...
وإنما يقدم لك مادتها الأولى مسندة في كل جزئية من جزئياتها، حتى في الاسم أو الكنية أو يوم الوفاة، وتتعدد صور الخبر بتعدد الأسانيد التي انتهت إليه والروايات التي جاء عليها، وقد تتكاثر الأسانيد على خبر واحد في صورة واحدة، أو صور متقاربة... إنه يتابع أصحاب الحديث في طريقتهم في الاسناد. وكانت تلك هي الطريقة السائدة في كل فروع الثقافة الاسلامية: تثبتا من الخبر وتوخيا للحق فيه ونشدانا للصواب، حتى إذا تتابعت القرون تحلل أصحاب الاخبار الأديبة من ذلك، ثم لحق بهم مؤرخون من المؤرخين وأصحاب التراجم. وبقي ابن عساكر ومن في طبقته يمثلوه ذروة هذا الأسلوب في القرن السادس الهجري.
ولهذا فإن كل ما عند ابن عساكر في تاريخه ينشعب في هذين القسمين الكبيرين:
الأسانيد، والاخبار (3).