هذه المرحلة في حياة ابن عساكر، هي الأكثر سعة ورحابة، وقد امتدت على مدى عمره وفيها انتهت إليه رياسة المذهب، وبات - كما يقول عنه ابن النجار: إمام المحدثين في وقته، ومن انتهت إليه الرياسة في الحفظ والاتقان، والمعرفة التامة بعلم الحديث، والثقة والنبل، وحسن التصنيف والتجويد، وأخذ بعدما ملأته الثقة، والاعتزاز بما حمله وحفظه، أخذ يملي ويحدث ويصنف، حيث كان بارعا في معرفة الحديث ومعرفة رجاله، وهذا ما جعله ينصرف بكليته إلى الالتزام بما قرره من التحديث والرواية.
فانتهت إليه الرياسة كما أشرنا إلى ذلك قريبا.
يقول ولده بهاء الدين الحافظ أبو محمد القاسم: قال لي أبي: لما حملت بي أمي رأت في منامها قائلا يقول لها: تلدين غلاما يكون له شأن... فإن الله تعالى يبارك لك والمسلمين فيه.
وصدقت اليقظة منامها، ونبهه السعد فأسهره الليالي في طلب العلم، وغيره سهرها في الشهوات أو نامها، وكان له الشأن العظيم والشأن الذي يجل عن التعظيم.
ثم انصرف إلى جمع والتصنيف، والرواية والتأليف، وهذا يتطلب إلى جانب التزامه بالقيام بواجباته العبادية، تخليا عن العمل لتحصيل الأملاك والمنافع وبناء الدور، إلى المواظبة على طاعة الله، وعدم التطلع إلى أسباب الدنيا، وإعراضه عن المناصب الدينية كالإمامة والخطابة بعد أن عرضتا عليه وانكب على التصنيف، فصنف التصانيف المفيدة، وخرج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث، محظوظا في الجمع والتأليف.
آثاره ومؤلفاته:
1 - إتحاف الزائر.
2 - الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد، وهو أربعون حديثا.