جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت محتاط... إلى أن قال:
جمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على أقرانه، دخل نيسابور قبلي بشهر، سمعت منه، وسمع مني،.... وكان قد شرع في التاريخ الكبير لدمشق، ثم كانت كتبه تصل إلى وأنفد جوابها (1).
وسمع بنيسابور أبا عبد الله الفراوي ولازمه فترة، وفي ذلك يقول الفراوي: قدم ابن عساكر فقرأ علي ثلاثة فأكثر وأضجرني، وآليت على نفسي أن أغلق بابي، فلما أصبحنا قدم علي شخص فقال: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: مرحبا بك، فقال، قال لي في النوم: امض إلى الفراوي وقل له: قدم بلدكم رجل شامي أسمر اللون يطلب حديثي، فلا تمل منه (2).
قال القزويني: فوالله ما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ.
ولم تقتصر رحلته وطوافه في بلاد خراسان على الدرس والتلقي والسماع، إنما حدث في أصبهان ونيسابور، وسمع منه جماعة من الحفاظ ممن هو أسن منه (3).
ودامت رحلته في بلاد العجم أربع سنوات (4) قضاها في ملازمة العلماء والفقهاء، والمحدثين، متتبعا الحديث معتنيا بطرقه ورواته ورواياته وأسانيده، فتعب في جمعه، وبالغ في طلبه حتى أنه جمع ما لم يجمعه أحد.
وعاد إلى بغداد ومنها قفل إلى دمشق، ويلخص أبو القاسم مشواره مع طلبه الحثيث للحديث بقوله:
وأنا الذي سافرت في طلب الهدى * سفرين بين فدافد وتنائف وأنا الذي طوفت غير مدينة * من أصبهان إلى حدود الطائف والشرق قد عاينت أكثر منه * بعد العراق وشامنا المتعارف وجمعت في الاسفار كل نفيسة * ولقيت كل مخالف وموالف (5)