وكان السلمي ثقة ثبتا عالما بالمذاهب والفرائض، وكان ابن عساكر يتردد عليه ويحضر دروسه في المدرسة الأمينية ويستمع عليه.
رحلته الأولى: إلى بغداد:
وفي سنة 520 ه وكان قد بلغ الحادية والعشرين من عمره، وكان قد استوفى قسطا مهما من العلم على شيوخه بدمشق، وتنوعت معارفه، واتجه نحو رواية الحديث حيث جمع من معرفة المتون والأسانيد وحفظ فأتقن، وقرأ فتثبت، وتعب في ملاحقة المحدثين والعلماء، ولم يعد يقنعه ما حصل عليه في حلقات دمشق ومساجدها ومدارسها وعلمائها (1)، عزم على طلب المزيد والوقوف على آراء مشاهير العلماء والفقهاء فقرر أن يرحل عن دمشق رغبة في طلب الحديث.
يقول د. المنجد في مقدمة المجلدة الأولى (2): وكانت الرحلة في طلب الحديث والاستماع إلى الشيوخ أرا ذا شأن، ولم يتخلف محدث كبير عن الرحلة ليتم علمه، ويتلقى الأسانيد العالية.
وكانت مراكز العلم منتشرة في طول العالم الاسلامي وعرضه، والعلماء والفقهاء منتشرون في كافة الأصقاع، ولكن الاشعاع كان ينتشر من مراكز استطاعت أن تستقطب أهل العلم والحديث والرواية، واشتهرت فيها حلقات التدريس والنقاش في مراكزها العامة كالمدارس والمساجد، وفي مراكزها الخاصة كمقرات إقامة الفقهاء والعلماء والمحدثين.
وكانت بغداد جنة الأرض، ومدينة السلام، وقبة الاسلام، ومجمع الرافدين، وغرة البلاد، وعين العراق، ودار الخلافة، ومجمع المحاسن والطيبات، ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فن وآحاد الدهر في كل نوع (3).
ورغم تدني نفوذها السياسي إلى مستوى كبير، فقد حافظت على دورها الاستقطابي والمحوري، حيث بقيت المركز الأساس الذي يجذب طلبة الحديث،