شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ١٦
العراق؟ فوالله ليوم يعمله أحدكم في سبيل الله تعالى خير له من ألف يوم يعمله في بيته صائما قائما لا يفطر ولا يفتر.
ومعنى قوله قام بأهل المدينة يعنى قام خطيبا، وهذا أيضا كانت خطبة استنفار لأهل المدينة كما فعل عمر رضي الله عنه بأهل مكة.
وفيه دليل على أنه لا بأس للمرء أن يحلف صادقا بالله، وإن لم يكن له حاجة إلى ذلك، فإن عثمان رضي الله عنه حلف على ما ذكر من الوعد للمجاهد في سبيل الله وكان مستغنيا عن ذلك.
ثم عيرهم عثمان بإخوانهم من أهل الشام ومصر [والعراق]، فإنهم لم يتقاعدوا عن الجهاد، تحريضا لهم على الجهاد.
ومعنى هذا التفصيل ما بينا أن في الجهاد إعزاز الدين وقهر المشركين ودفع شرهم عن المسلمين. وذلك غير ظاهر في عمل من يقيم في أهله بالمدينة.
10 - وذكر بعد هذا عن طاووس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى بعثني بالسيف بين يدي الساعة، وجعل رزقي تحت رمحي أو ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالفني، ومن تشبه بقوم فهو منهم ".
والمراد بقوله: بعثني بالسيف أي بعثني بالقتال (1) في سبيل الله كما قال عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس [حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله] " (2)، ولان القتال في حق غيره من الأنبياء لم يكن مأمورا به وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وصفته في التوراة: نبي الملحمة عيناه حمراوان من شدة القتال.

(1) ه‍، ط " لأقاتل ".
(2) الزيادة في ه‍، ط.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»