359 - وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما رجل من العدو أشار إليه رجل بأصبعه إنك إن جئت قتلتك، فجاءه فهو آمن فلا يقتله.
وبعد هذا نأخذ فنقول: إذا أشار إليه بإشارة الأمان وليس يدرى الكافر ما يقوله فهو آمن.
لأنه بالإشارة دعاه إلى نفسه، وإنما يدعى بمثله الآمن لا الخائف، وما تكلم به: إن جئت قتلتك، لا طريق للكافر إلى معرفته بدون الاستكشاف منه، ولا يتمكن من ذلك قبل أن يقرب منه، فلا بد من إثبات الأمان بظاهر الإشارة وإسقاط ما وراء ذلك للتحرر عن الغدر. فان ظاهر إشارته أمانه له.
وقوله: إن جئت قتلتك، بمعنى النبذ لذلك الأمان. فما لم يعلم بالنبذ كان آمنا بمعنى قوله تعالى {فانبذ إليهم على سواء} (1) أي سواء منكم ومنهم في العلم بالنبذ، وأشار إلى المعنى فيه فقال {إن الله لا يحب الخائنين} (2) ومبنى الأمان على التوسع حتى يثبت بالمحتمل من الكلام فكذلك يثبت بالمحتمل من الإشارة.
360 - وبيان هذا في حديث الهرمزان. فإنه لما أتى به عمر رضي الله عنه قال له: تكلم. قال أتكلم بكلام حي أم كلام ميت؟ فقال عمر: كلام حي. فقال: كنا نحن وأنتم في الجاهلية، لم يكن لنا ولا لكم دين. فكنا نعدكم معشر العرب بمنزلة الكلاب. فإذا أعزكم الله بالدين وبعث رسوله منكم (3) لم نطعكم. فقال عمر: أتقول هذا وأنت أسير في أيدينا؟ اقتلوه. فقال: أفيما علمكم نبيكم أن تؤمنوا أسيرا