خيل بنى سليم مولية - يعنى انهزمت راجعة -، ثم تبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس مدبرين لا يلوي أحد على أحد.
وفى المغازي (1) أن إبليس عليه اللعنة نادى: ألا إن محمدا قد قتل.
فليرجع كل ذي دين دينه. فلهذا انهزموا كما قال تعالى {ثم وليتم مدبرين} (2).
وأمعن بعضهم في الانهزام حتى انتهى إلى مكة. وسمع صفوان بن أمية واحدا من المنافقين يقول: قتل محمد واستراح الناس منه. وكان صفوان يومئذ مشركا فقال: بفيك الأثلب (3). لرب من قريش أحب إلى من رب من هوازن إذا كنت مربوبا.
قال: فاقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم في (4) دابته حتى رأى المسلمين ولوا مدبرين. فثبت قائما، وجرد سيفه وطرح غمده. فجعل يتقدم في نحر العدو وهو يصيح بأعلى صوته. يا أصحاب الشجرة يوم الحديبية! الله الله! الكرة على نبيكم.
وذكر في المغازي أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمه العباس رضي الله عنه على يمينه، وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنهما (38 ب) على يساره. وما كان كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم يوم فتح مكة إلى هذا الوقت، لكثرة ما كان آذاه بهجائه. فحين رأى ذلك الحد منه كلمه وعانقه. وبلغ الله صوت رسوله إلى المهاجرين والأنصار فكبروا بأجمعهم، وحملوا على العدو حملة واحدة، فانهزم العدو قبل أن يطعنوا برمح أو يضربوا بسيف كما قال الله تعالى {وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا. الآية} (5).