قال: فأعطاني يزيد بها عشرة آلاف درهم.
أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثني أبو بكر بن عجلان، حدثني حماد بن إسحاق قال: كان أبي عند الفضل بن يحيى وعنده مسلم بن الوليد الأنصاري، ومنصور النمري ينشدانه. فقال: احكم بينهما. فقلت الحكم عيب علي، والأمير أولى من حكم، وقد سمع شعرهما قال: أقسمت عليك لما فعلت، قلت: هما صديقان شاعران، وقل من حكم بين الشعراء فسلم منهم، ولكن إن أحب الأمير وصفت له شعرهما، قال: فصفه. قلت: أما منصور النمري فغريب البنا قريب المعنى، سهل كلامه، صعب مرامه، سليم المتون كثير العيون. وأما مسلم فمزج كلام البدويين بكلام الحضريين، وضمنه المعاني اللطيفة، والألفاظ الظريفة، فله جزالة البدويين، ورقة الحضريين قال: أبيت أن تحكم فحكمت، منصور أشعرهما.
أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز، أخبرنا أبو سعيد الحسن ابن عبد الله السيرافي، حدثنا محمد بن أبي الأزهر النحوي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني محمد البيذق - وكان أحسن الناس إنشادا وكان إنشاده أحسن من الغناء - قال: دعاني هارون الرشيد في عشى يوم، وبين يديه طبق وهو يأكل مما فيه. ومعه الفضل بن الربيع. فقال الفضل: يا محمد أنشد أمير المؤمنين ما يستحسن من مديحه، فأنشدته للنمري، فلما بلغت إلى هذا الموضع:
أي امرئ بات من هارون في سخط * فليس بالصلوات الخمس ينتفع إن المكارم والمعروف أودية * أحلك الله منها حيث تجتمع إذا رفعت امرءا فالله رافعه * ومن وضعت من الأقوام متضع نفسي فداؤك والأبطال معلمة * يوم الوغا والمنايا بينهم قرع قال: فأمر فرفع الطعام وصاح وقال: هذا والله أطيب من أكل الطعام، ومن كل شئ. وأجاز النمري بجائزة سنية. قال محمد البيذق: فأتيت النمري فعرفته أني كنت سبب الجائزة فلم يعطني شيئا، وشخص إلى رأس عين، فأحفظني وغاظني. ثم دعاني الرشيد يوما آخر فقال أنشدني يا محمد فأنشدته:
شاء من الناس راتع هامل * يعللون النفوس بالباطل