التاريخ الصغير - البخاري - ج ١ - الصفحة ٨
وفتنة خلق القرآن إن لم تكن قد مست الامام البخاري من بدايتها مسا مباشرا، فإنه لاقى منها في ختام حياته ما لاقى، يوم ثار الخلاف بينه وبين الذهلي، وخرج - أو أخرج - بسببها من نيسابور خائفا يرتقب.
وقد ألهم الامام حفظ الحديث وهو في الكتاب ابن عشر سنين أو أقل، وفرضت معالم النبوغ نفسها على مجالس شيوخه وهو في باكورة حياته العلمية: حكى وراقة محمد بن أبي حاتم عنه، قال: " فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يوما - فيما كان يقرأ للناس -: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم!
فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك. فدخل فنظر فيه، ثم رجع، فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير، وهو ابن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم، وأصلح كتابه، وقال: صدقت ".
فلما بلغ السادسة عشرة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع، وعرف كلام أهل الرأي، وخرج مع أمه وأخيه أحمد إلى الحج سنة 210 ه‍، وأقام بمكة مجاورا، ورجع أخوه مع أمه إلى بخاري، فمات بها.
يقول الامام: ولما طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب " قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنف " التاريخ الكبير " إذ ذك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة.
وكتاب التاريخ الكبير - على كبره وطوله - قد تحرى الامام أن يختصره اختصارا شديدا، بحيث لا يملك التناول منه إلا الباحث المتخصص، ومع ذلك فهو يقول عنه: " قل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهته تطويل الكتاب "، ونضيف فنقول: إن هذا
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»