التاريخ الصغير - البخاري - ج ١ - الصفحة ١١
قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أني أختلف هدرا، وأضيع أيامي؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
قالا: فكان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث، وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع إليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه، وكان شابا لم يخرج وجهه ".
ويحكي الامام عن نفسه، فيقول: " دخلت على الحميدي، وأنا ابن ثماني عشرة سنة - يعنى أول سنة حج - فإذا بينه وبين آخر اختلاف في حديث، فلما بصر بي قال: جاء من يفصل بيننا، فعرضا علي الخصومة، فقضيت للحميدي، وكان الحق معه ".
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل أولا على أن شيوخه قد أدركوا هذه المميزات التي وهبه الله إياها، ولمسوها منه.
وها هو يقول أيضا: " قال لي محمد بن سلام البيكندي: انظر في كتبي، فما وجدت فيها من خطأ، فاضرب عليه فقال له أصحابه:
من هذا الفتي؟ قال: " هذا الذي ليس مثله ".
ومما ساقه ابن حجر في هذا المجال - منتهيا في سنده في النقل إلى ابن عدي - هذا الخبر الذي يؤكد هذه الموهبة عند أبي عبد الله:
" قال ابن عدي: سمعت عدة من مشايخ بغداد يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الاسناد لاسناد آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»