العلل - أحمد بن حنبل - ج ١ - الصفحة ٧٥
ولما حمل الامام من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم اتوه بسويق ليفطر من الضعف، فامتنع من ذلك وأتم صومه، وحين حضرت صلاة الظهر صلى معهم والدم في ثوبه، فقال له ابن سماعة القاضي، وصليت في دمك؟ فقال له أحمد: قد صلى عمر وجرحه يثعب دما فسكت.
قلت: إن الصلاة التي صلاها الامام في دمائه لهي أفضل إن شاء الله عند الله بآلاف الدرجات من صلواتهم بطهاراتهم الظاهرة الكاملة، لان صلواتهم مشوبة بالبدع وفساد العقيدة وأما صلاة الامام فهي خالصة من أي شائبة يزينها الوسام الكريم بالجراحات لله وفي سبيل الله. وهذا الدم الشريف الذي سأل منه لوجه الله يأتي يوم القيامة إن شاء الله. اللون لون الدم والريح ريح المسك يرفع الله به درجاته عنده.
ولما رجع الامام إلى منزل إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة جاءه الجرايحي، فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه، والنائب في كل وقت يسأل عنه، لان المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا وجعل يسأل النائب عنه، والنائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك.
ولما سار الامام بعد برءه إلى منزله ولم يزل كذلك مدة خلافة المعتصم. وكذلك في أيام ابنه الواثق فلما ولى المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بخلافته فإنه كان محبا للسنة وأهلها ورفع المحنة عن الناس وكتب إلى الآفاق: لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن. وأكرم الامام إكراما بالغا. حتى إنه كتب إلى نائبه ببغداد أن يحمل إليه الامام فاعتذر الامام ثم عزم عليه أنه يحب أن يأنس بقربه وبالنظر إليه وحصول البركة من دعائه فسار إليه الامام وهو عليل في بعض بنيه. فأنزله منزلا كريما في
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»