أو منع نفسه لذات الدنيا ونعيمها خوفا من الله وشوقا إلينا أهل البيت، أنى يكونون لنا شيعة! وأنهم ليخاصمون عدونا فينا حتى يزيدوهم عداوة، وأنهم ليهرون هرير الكلب ويطمعون طمع الغراب، أما لولا أنني أتخوف أن أغريهم بك لأمرتك أن تدخل بيتك وتغلق بابك ثم لا تنظر إليهم ما بقيت، ولكن إن جاؤوك فاقبل منهم، فإن الله قد جعلهم حجة على أنفسهم، واحتج بهم على غيرهم... الخ (1).
وفيه الجواب عن كل ما نقل فيه من القدح وأنه من الأجلة وصح ما ورد فيه من المدح.
وفي آخر توحيده المعروف ب " توحيد المفضل " أن الصادق (عليه السلام) قال له: يا مفضل! خذ ما آتيتك واحفظ ما منحتك، وكن لربك من الشاكرين ولآلائه من الحامدين ولأوليائه من المطيعين، فقد شرحت لك من الأدلة على الخلق والشواهد على صواب التدبير والعمد قليلا من كثير وجزء من كل، فتدبره وفكر فيه واعتبر به. فقلت: بمعونتك يا مولاي، فوضع يده على صدري، فقال: احفظ بمشيئة الله ولا تنس إن شاء الله، فخررت مغشيا علي، فلما أفقت قال: كيف ترى نفسك يا مفضل؟ فقلت: قد استغنيت بمعونة مولاي وتأييده عن الكتاب الذي كتبته وصار ذلك بين يدي كأنما أقرأه من كفي، فلله الحمد والشكر كما هو أهله ومستحقه. فقال: يا مفضل فرغ قلبك واجمع إليك ذهنك وعقلك وطمأنينتك، فسألقي إليك من علم ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله بينهما وفيهما من عجائب خلقه وأصناف الملائكة وصفوفهم ومقاماتهم ومراتبهم إلى السدرة المنتهى وسائر الخلق من الجن والإنس إلى الأرض السابعة السفلى وما تحت الثرى، حتى يكون ما وعيته جزء من أجزاء؛ انصرف إذا شئت مصاحبا مكلوءا، فأنت منا بالمكان الرفيع وموضعك من قلوب المؤمنين موضع الماء من الصدى، ولا تسألن عما وعدتك حتى أحدث لك منه ذكرا. قال: فانصرفت من عند مولاي بما لم ينصرف أحد بمثله؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين (2).