حتى تترسخ مبادؤه ومفاهيمه وأحكامه في هذه الأمة الفتية التي هي حديثة عهد بالاسلام، وقريبة عهد بالجاهلية، والتي تعاني من أعداء شرسين، ففي الداخل من المنافقين واليهود. وفي الخارج من الامبراطوريتين الفارسية والرومية، إضافة إلى الذين لم يتمكن الاسلام بعد في قلوبهم.
فمع إدراك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القطعي لهذه المخاطر ولما يسببه غيابه والفراغ الذي يتركه من مضاعفات لهذه المخاطر، ولما يستجد من عقبات أخرى، وكلها تحتاج إلى شخص على مستوى عال من المسؤولية، ويكون مهيئا تهيئة رسالية خاصة يملأ هذا الفراغ مباشرة، ويؤدي وظيفته على أكمل وجه، وهذا ما كان يقوم به (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته المباركة، وكان علي (عليه السلام) على ذلك المستوى الإيماني والتربوي والفكري، فكان الأفضل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتولي هذه المهمة الدينية التغييرية التي هي على جانب عظيم من الخطورة، فكانت أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصاياه وتأكيداته تحوط عليا (عليه السلام) وتواكب ذلك الاستعداد وتلك التهيئة من بداية الرسالة.
وهنا اختلفت القلوب، فقلوب آمنت بكل ذلك وتيقنته والتزمت به ولم تحد عنه، فكانوا رواد التشيع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمثال: سلمان، والمقداد، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد، وعدي بن حاتم، وعثمان بن حنيف... إضافة إلى مشاهير بني هاشم.
وأخرى اجتهدت قبال النصوص واختارت لنفسها طريقا آخر لها في اختيار خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت أمة أخرى إزاء تلك الأمة التي آمنت بكل ما قاله