دورهم في تدوين الحديث وفي روايته وتبويبه وتقسيمه.
لا يخفى على كل متتبع ما لعلماء ورواة الشيعة من دور كبير في رواية الحديث وتدوينه وحفظه من عبث العابثين الكثيرين الذين قد ابتلي بهم الحديث النبوي الشريف. وأيسر دليل لنا على ذلك مجاميع علمائنا الروائية وموسوعاتهم ومؤلفاتهم التي تحل معضلات الحديث ومشاكله، وتجيب عما يطرح من أسئلة حوله، وتبين قواعده وأصوله وأقسامه وأوصافه ومصطلحاته ودلالاته، كما تشير إلى غريبه ومعانيه....
ولم يكن اهتمام الشيعة وعلمائها منصبا فقط على متن الحديث، بل تجاوزه إلى سنده، ودراسة السند عندهم على درجة من الأهمية لا تقل درجة عن دراسة المتن. فهذه مؤلفاتهم ورسائلهم تتناول الرواة مدحا وتوثيقا، أو تضعيفا وجرحا، ذاكرة من تقبل روايته ومن ترد وفق صفات وشروط وضعت للرواة الذين يعدون بالآلاف بغية تمييز مقبول الحديث من مردوده، ومعرفة صحيحه من ضعيفه.
إن هذه المهمة ليست بالسهلة اليسيرة، ولتذليل ما يواكبها من صعوبات تحتاج إلى جهود مضنية ودقيقة، ولذلك فقد تصدى لها الكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين حتى تشكلت علوم الحديث ورجاله ضرورة أنه لا يكون الشخص عندهم فقيها ما لم يلم ويختص بها ويكون صاحب رأي فيها مما جعلها من طلائع العلوم والمعارف الإسلامية التي يتوسل بها لمعرفة السنة النبوية وأحكام الشريعة...
وليس ذلك غريبا عليهم أبدا بعد أن أجمعوا على حجية السنة النبوية وأنها لا تشكل الشق الثاني بعد القرآن فحسب، بل تقترن به اقترانا عجيبا لا ينفصل بعد أن ترك لها أمر تبيينه، وتفصيل أحكامه، وتوضيح مجمله ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه....