لقد كان رجال الشيعة من المبادرين لتدوين الحديث وإرساء علومه منذ الأيام الأولى للاسلام، فهذا أبو رافع - مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خلص أصحاب الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقد تولى بيت مال الكوفة أيام خلافته - كان أول مبادر لتدوين الحديث بعد الإمام (عليه السلام) وكتابه المسمى " كتاب علي " الذي دون فيه أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأبو رافع هذا هو صاحب كتاب " السنن والأحكام والقضايا " (1) ولم يكن وحده في هذا الميدان، بل كان معه سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري في كتابيهما " حديث الجاثليق " للأول، وكتاب " الخطبة " للثاني، وهما من أخلص أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، وهناك غيرهم ممن تصدروا ما أستطيع تسميته بالرعيل الأول، الذي أخذ على عاتقه تدوين الحديث، وكان منهم عبيد الله بن أبي رافع، وعلي بن أبي رافع، والأصبغ بن نباتة، والحارث بن عبد الله، وربيعة بن سميع، وميثم التمار.
ولسنا بصدد تعدادهم وتفصيل الكلام في آثارهم، ولكنا نريد أن نقدم دليلا مختصرا وميسرا على أن رجال الشيعة كانوا السباقين إلى رواية الحديث والاهتمام به، ويمكننا بالتالي دحض الادعاءات القائلة بأن الشيعة لم يكن لهم اهتمام بالحديث وروايته.
وأخيرا فإن مجاميع الحديث عند إخواننا السنة تكفي وحدها لأن تكون شاهدا حيا آخرا لقولنا وتفنيد تلك الادعاءات والافتراءات التي لم تكن دوافعها بعيدة عن البغض لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ولمنتسبيها وإن وصفت شخصيات الرواة في مجاميع الحديث السنية من قبل البعض بعدم الثقة مرة، وبالتضعيف أخرى، وبالجرح ثالثة... وكأن صفة الثقة أو قبول رواياتهم أمر محرم على هؤلاء وممنوع