جراب النورة بين اللغة والاصطلاح - السيد محمد رضا الجلالي - الصفحة ٣٢
وشريعته السامية وجماعة أمته الواحدة، وحفظ رموزه وأعيانه وأعلامه، ليستمروا على أداء رسالته الكريمة، دون مجرد الخوف على الأموال والأعراض وحتى الدماء، مع أهميتها ومزيد عناية الشارع بها، إلا أن أصل وجود الإسلام وجماعة الأمة، أهم، لأنه يؤلف أصل وجود الدين وبيضته، ولذلك نجد التضحيات العظيمة في كل شئ تكون رخيصة عندما يتعرض هذا الأصل للخطر، ويكون حفظه من أهم الواجبات وأعز الأمور، حتى من شخص الإمام المعصوم عليه السلام وخيرة الأصحاب والأتباع.
وقد استدللنا على هذه النظرية في بعض بحوثنا الفقهية.
الوجه الثاني: أن الإمام عليه السلام في مسألة الإرث، نفى أن يكون " أعطى من جراب النورة " وقال: " ما أعطيتك من جراب النورة " وفي الروايات الأخرى: " ما اتقيتك... " وهذا يقتضي أن يكون ما صدر من الإمام من الحكم الأول ليس " تقية " أي: لم يكن موافقا لحكم العامة، وهو كذلك، إذ ما ذكره الإمام أولا إنما هو إعطاء نصف المال للبنت، وهذا بمجرده ليس رأيا خاصا للعامة في المسألة، وإنما هم يحكمون بإعطاء النصف الثاني لغير البنت من الموالي أو العصبة، وهذا ما سكت عنه الإمام في البداية، ففهم الأصحاب منه أن النصف الثاني لابد أن يكون لغير البنت من العصبة أو الموالي، لعدم إمكان خلوه من المالك.
لكن سكوت الإمام وإن كان يوهم ذلك ابتداء إلا أنه ليس صريحا في ذلك، بل هو أعم منه، ومن كونه للبنت أيضا، إلا أن الإمام أخر بيان هذا، من جهة حفظ كرامة الراوي من محاسبة العصبة أو الموالي، لو عرفوا الأمر، وطالبوه بالنصف الاخر وهذا التأخير في البيان، لا يسمى تقية في المصطلح الفقهي، نعم هو تقية عملية، وحفظ كيان الراوي السائل، فليس في الأمر تشبيه، ولا تلبيس شئ على أحد، ولا من أحد.
وأما قول الأصحاب بأنه " أعطاه من جراب النورة " أو " اتقاه " فهو من جهة
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»