يحيى قد هرب إلى بلاد الديلم فظهر هناك، واجتمع عليه الناس وبايعه أهل تلك الأعمال، عظم أمره وقلق الرشيد بذلك وأهمه وانزعج منه غاية الانزعاج، فكتب إلى الفضل بن يحيى البرمكي: إن يحيى بن عبد الله قذاة في عيني فاعطه ما شاء واكفني أمره، فسار إليه الفضل في جيش كثيف وأرسل إليه بالرفق والتحذير والترغيب والترحيب، فرغب يحيى في الأمان، فكتب له الفضل أمانا مؤكدا، وأخذ يحيى وجاء به إلى الرشيد (إلى أن قال): ومضى يحيى إلى المدينة فأقام بها إلى أن سعى به عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى الرشيد، فقال له: يحيى بن عبد الله أرادني على البيعة له، فجمع الرشيد بينهما بعد أن استقدم يحيى من المدينة (إلى أن قال): ثم إن الرشيد صبر أياما وطلب يحيى واعتقل عليه، فاحضر يحيى أمانه فأخذه الرشيد وسلمه إلى أبي يوسف القاضي فقرأه، وقال: هذا الأمان صحيح لا حيلة فيه، فأخذه أبو البختري من يده وقرأ، ثم قال: هذا أمان فاسد من جهة كذا وكذا، وأخذ يذكر شبها، فقال له الرشيد فخرقه ويده ترعد حتى جعله ثبورا، وأمر بيحيى إلى السجن فمكث فيه أياما، ثم أحضروه وأحضر القضاة والشهود ليشهدوا على أنه صحيح لا بأس به، ويحيى ساكت لا يتكلم، فقال له بعضهم: مالك لا تتكلم؟ فأومى إلى فيه أنه لا يطيق الكلام، فأخرج لسانه وقد اسود، فقال الرشيد، هو ذا يوهمكم أنه مسموم، ثم أعاده إلى السجن فلم يعرف بعد ذلك خبره... " إلخ. عمدة الطالب:
ص 131، المقصد الثاني من الفصل الأول، من الأصل الثالث في عقب الحسن المثنى.
وروى الصدوق - قدس سره - بإسناده، عن علي بن محمد النوفلي، يقول:
استحلف الزبير بن بكار رجل من الطالبين (إلى أن قال): وأما أبوه عبد الله ابن مصعب، فإنه مزق عهد يحيى بن عبد الله بن الحسن وأهانه بين يدي الرشيد، وقال: أقتله يا أمير المؤمنين فإنه لا أمان له، فقال يحيى للرشيد: إنه خرج مع أخي