ووصل إلى هذا السن ولم يجرأ أن يسألني في أثناء الدرس حياء، لكني كنت إذا رأيت وجهه منقبضا عند التقرير أراجع المسألة، فأرى أني قررتها على غير وجهها أو أنه لم يفهمها، فأعيد تقريرها على غير ذلك الوجه أو عليه مرة أخرى، فإذا فهمها تهلل وجهه.
وكنت أضن أولا قلة كلامه عيا عن الكلام، حتى إذا شرع في قراءة الدرس أو مقابلة كان لسانه أمضى من السيف القاطع.
لم أسمع منه غيبة لاحد، وكان يتألم مما يدخل إلينا من وجوه المعاش.
وإذا أردت أن أراه في ليالي شهر رمضان وسمع صوتي يرفع كتابه وقرآنه وسجادته، فإذا دخلت عليه أقول له: يا ولدي هذه ليالي عبادة وتلاوة وأنت تجلس هكذا. فينكس رأسه حياءا ولا يجبني، ثم تخبرني زوجته بعد أنه هكذا يفعل.
رزقه الله ولدا ذكر وتوفي وهو ابن أيام، وكنت أبكي عليه بكاءا كثيرا، وهو قليل البكاء يظهر عليه أثر الرضا بحكم الله.
ووهبه الله سبحانه بعده ثلاث بنات، وكلما جاءت واحدة يظهر منه البشر ويسلي زوجته بأن ثوابنا صار أكثر. وان طالبت أحدهن منه شيئا أو رآها محتاجة إليه قام مسرعا وذهب إلى السوق وأتى به.
ولم يطلب مني ركوب دابة قط مع وجودها وعدم احتياجي إليها حياءا مني.
ولم يطلب خرجه المقرر الا بالارسال مع جارية أو ولد صغير، وكنت إذا أوصيته أن لا يسرف يسكت، وان أجابني يقول: أنت عندك عيال وعندي عيال فقس هذا على هذا. فأفعل فإذا هو أقل مما ذكر.
وغير ذلك مما لو عددته من صفاته الحميدة لطال.