الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٥١
ونجده تعال خلق الكلب مضروبا به المثل في الرذيلة والخنزير رجسا وخلق الخيل في نواصيها الخير فأي علة وأي سبب أوجب على هذه الحيوانات أن يرتبها هكذا؟ وما الذي أوجب أن يخترع بعضها نجسا وبعضها مباركا وبأي شئ استحقت ذلك قبل أن تكون منها فعل أو قبل أن توجد وأي علة أوجبت ان يخلق من الأشياء على عدد ما دون ان يخلق أكثر من ذلك العدد أو أقل وأن يخلق الخلد أعمى والسرطان صارفا بصره أمام ووراء أي ذلك شاء والأفعى أضر من الخلد ولها بصر حاد.
فإن قالوا خلقها ليعتبر بها وعذب الأطفال بالأمراض ليعوضهم أو ليأجر آباءهم فهذا كله فاسد لأنه قد كان يعتبر ببعض ما خلق كالاعتبار بكله ولو زاد في الخلق لكان الاعتبار أكثر فلزم التقصير على قولهم تعالى الله عن ذلك ولا فساد فيما بيننا أعظم من فعل من عذب آخر ليعطيه على ذلك مالا أو من فعل من عذب إنسانا لا ذنب له ليعظ به آخر أو ليثيب على ذلك آخر وكل هذا يفعله الباري تعالى وهو أحكم الحاكمين فبطل قولهم إن الحكيم لا يفعل شيئا الا لعلة قياسا على ما بيننا.
وأي فرق بين ذبح صغار الحيوان لمنافعنا وبين ذبح صغارنا لمنافعنا؟
فيذبح ولد عمر ولمصلحة زيد؟ الا أن الله تعالى شاء ذلك فأباحه ولم يشأ هذا فحرمه ولو أحل هذا وحرم ذلك لكان عدلا وحكمة وإذ لم يفعله تعالى فهو سفه وجور ولا علة لكل ذلك أصلا.
وقد أباح تعالى سبي نساء المشركين وأطفالهم واسترقاقهم قهرا وتملكنا رقابهم وأخذنا أموالهم غصبا لذنوب وقعت من آبائهم والدليل على أن ذلك لذنوب آبائهم ان آبائهم لو أسلموا لحرم علينا سبي أولادهم وتملكهم فما الذي جعل الأبناء مؤاخذين بذنوب غيرهم؟ أو ما الذي جعل مصلحة أبنائنا أولى من
(١١٥١)
مفاتيح البحث: القصر، التقصير (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1146 1147 1148 1149 1150 1151 1152 1153 1154 1155 1156 ... » »»
الفهرست