الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٤٢
قال أبو محمد: وهذا أمر كان ينبغي لأهل التقوى ألا يمروه على خواطرهم فكيف أن يحلوا به ويحرموا ويتركوا له قول ربهم تعالى؟ فأول ذلك الكذب البحث أن أصل القصر المشقة. ولو كان ذلك لكان المريض المدنف المثبت العلة كالمبطون، والذي به ناقض الحمى والموم والسل ممن تثقل عليه الكلمة يسمعها ويصعب عليه رد الجواب بكلمة فما فوقها، أولى بالقصر لعظيم مشقة الصلاة عليه وتكلف القراءة فيها والإيماء والتشهد صرف ذهنه إليها، من المراكب في عمارية ومعه مائة عبد يتمشى في أيام الربيع على ضياعه من روضة إلى نهر، ومن نهر إلى صيد، ومن صيد إلى نزهة، ومن كل منظر بديع إلى منظر حسن ينزل إذا شاء ويرجل إذا شاء، إلا أنه من ذلك قاصد مسافة أكثر من ثلاثة أيام من وطنه. وهذا ما لا يحيل على صبي له أدنى فهم، فكيف على من يتعاطى التحريم والتحليل، ويستدرك على ربه تعالى أشياء لم يذكرها ربه تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، إن هذا لهو الضلال المبين.
هذا والمريض والمسافر قد سوى الله عز وجل بينهما في الفطر في رمضان، وفي إباحة متيمم، فهلا ساوى القياسيون المعللون بينهما في قصر الصلاة للذي المريض أحوج عليه من المسافر، لأنه أكثر مشقة منه وأحوج إلى الراحة؟ فأين قياسهم وعللهم؟ ثم هلك، لو صح ما قالوه، إن العلة في قصر الصلاة مشقة السفر، وأعوذ بالله من ذلك فأي تمام للمشقة في ثمانية وأربعين ميلا في سهل وأمن وظلال أشجار، وفي أيام الربيع في آذار وفي نيسان، ولفارس مريح قوي، على سبعة وأربعين ميلا في أوعار وشعار، وفي حارة القيظ في تموز، وفي خوف شديد لراجل مكدود كبير السن ضعيف الجسم؟ فأباحوا للفارس الذي ذكرنا أن يفطر في رمضان ويقصر الصلاة، ومنعوا الرجل المكدود في الوعر والحر من ذلك.
(١١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 1144 1145 1146 1147 ... » »»
الفهرست