الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٥٠
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * وكذلك قال تعالى * (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) * فأبان الله تعالى كذبهم في قولهم: إن الله تعالى إنما يفعل الشرائع لمصالح عباده وأيضا فقد كان أصلح لهم أن يدخلهم الجنة دون تكليف عمل ولا مشقة واحتج بعضهم في ذلك بقوله تعالى * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) *.
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه، لان الناسخة إنما صارت خيرا لنا معشر المؤمنين بها خاصة إذ جعلها الله تعالى خيرا لنا لا قبل ذلك ولم يكن قط هنا سبب يوجب أن تكون خيرا لنا إلا أنه تعالى شاء ذلك بلا سبب ولا علة أصلا ويقال لهم وبالله تعالى التوفيق متى كانت الناسخة خيرا لنا؟ إذ نسخ بها ما تقدم أو قد كانت خيرا لنا قبل أن ينسخ ما تقدم؟
فإن قالوا كانت خيرا قبل ان يخاطبنا بها نقضوا أصلهم وأثبتوا أنه تعالى قد منعنا ما هو خير لنا مدة طويلة وإن قالوا بل ما صارت خيرا لنا إلا إذ نسخ تعالى بها ما تقدم وإذ خاطبنا وأبطل بها الرتبة الأولى.
قيل لهم: وما الذي أوجب ان تصير حينئذ خيرا لنا؟ وما الذي أوجب أن تنتقل الرتبة الأولى عن كونها خيرا لنا؟ أعلة متقدمة حكمت على الباري تعالى بذلك؟ أم أنه شاء ذلك فقط؟
فإن قالوا بل علة أوجبت ذلك على الباري عز وجل كفروا بإجماع الأمة وجعلوا الله تعالى مدبرا مصرفا تعالى الله عن ذلك.
فإن قالوا بل إنه شاء ذلك فقط، رجعوا إلى أنه تعالى شاء ما فعل بلا علة أصلا ولم يشأ ما لم يفعل وأنه تعال يريد ضلال من ضل ولم يرد به الهدى ولا المصلحة أصلا وبالله تعالى التوفيق.
وقد بين تعالى ذلك بقوله نعوذ بالله من أن يريد منا ما أراد بهؤلاء.
ونقول لمن قال إنه تعالى أراد صلاحهم أن يدعو ربه أن يريد به من الصلاح ما أراد بهم.
(١١٥٠)
مفاتيح البحث: الحج (1)، الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1145 1146 1147 1148 1149 1150 1151 1152 1153 1154 1155 ... » »»
الفهرست