الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٦١
إلى قسم ثالث، فإن حكمتم فيها فأخبرونا عن حكمكم فيها أبحكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم حكمتم فيها؟ فإن قلتم: نعم، قلنا: قد تناقضتم لأنكم قلتم ليس فيها نص بحكم الله تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد كذب آخر قولكم أوله، وإن قلتم: بغير حكم الله تعالى أو بغير حكم رسوله صلى الله عليه وسلم، نحن برآء إلى الله تعالى من كل حكم في الدين لم يحكم به الله عز وجل، وفي هذا كفاية لمن عقل فوضح لنا وبطل ما سواه، والحمد لله رب العالمين.
وبهذا جاءت الأحاديث كلها مؤكدة متناصرة، كما ثنا حمام بن أحمد، ثنا عبد الله ابن إبراهيم، ثنا أبو زيد المروزي، ثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا عبد الله بن زيد المقرئ، ثنا سعيد، ثنا عقل، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته فنص صلى الله عليه وسلم كما تسمع أن كل ما لم يأت به تحريم من الله تعالى فهو غير محرم.
وهكذا أخبر صلى الله عليه وسلم في الواجب أيضا، كما ثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد الفقيه الأشقر، ثنا أحمد بن علي القلانسي، ثنا مسلم بن الحجاج، حدثني زهير بن حرب، ثنا يزيد بن هارون، ثنا الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل:
أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه.
قال أبو محمد: فنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ما لم يوجبه فهو غير واجب، وما أوجبه بأمره فواجب ما أستطيع منه، وأن ما لم يحرمه فهو حلال، وأن ما نهى عنه فهو حرام، فأين للقياس مدخل؟ والنصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه، وكل نازلة تنزل إلى يوم القيامة باسمها وبالله تعالى التوفيق.
(١٠٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1056 1057 1058 1059 1060 1061 1062 1063 1064 1065 1066 ... » »»
الفهرست