نظير ما ذكرناه سابقا من أن مصلحة حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه اقتضت جعل العدة ولكنا نعلم من الخارج عدم توقفه في بعض الموارد عليها إلا أن اشتباه الموارد وعدم تميز بعضها عن بعض أوجب إيجاب العدة على الجميع وهذا أجنبي عن كون الحكم مجعولا بلا ملاك هذا كله بناء على الطريقية المحضة واما بناء على الموضوعية والسببية وان المصالح الفائتة في صورة خطأ الامارة يتدارك بمصلحة في العمل بها فالامر أوضح وتوضيح ذلك ان السببية يتصور على وجوه ثلاثة (الأول) أن يكون قيام الامارة سببا لحصول مصلحة في المؤدى موجبة لجعل الحكم على طبقه ولا يكون للفعل مع قطع النظر من قيام الامارة حكم أصلا فيكون الأحكام الواقعية مختصة بالعالمين ولا يكون للجاهل حكم واقعا وظاهرا غير الحكم الناشئ من قبل الامارة والقول بمثل هذه السببية مستلزم للتصويب الأشعري الذي دل الاجماع والأخبار الدالة على وجود الأحكام المشتركة بين العالم والجاهل على بطلانه (الثاني) أن يكون الأحكام الواقعية تابعة لمصالح ومفاسد في نفس الافعال مع قطع النظر عن قيام الامارة وعدمه إلا أن قيام الامارة على الخلاف كان موجبا لحدوث مصلحة في المؤدى غالبة على مصلحة الواقع فيكون الحكم الفعلي مختصا بغير من قام عنده الامارة على الخلاف كما يختص الأحكام الواقعية بغير موارد الضرر والحرج وهذا القول وان لم يستلزم عدم وجود الحكم المشترك من أول الأمر إلا أنه يوجب تقييد الأحكام الواقعية واختصاصها بمن لم يقم الامارة عنده على الخلاف بالآخرة وهذا هو التصويب المعتزلي المشترك مع الأول في البطلان وإن لم يكن مثله في الشناعة فإن الاجماع والاخبار كما يدلان على وجود الأحكام المشتركة من أول الأمر فكذلك يدلان على بقائها بحالها وفعليتها وعدم تغيرها عما هي عليها لقيام الامارة على خلافها (الثالث) أن لا يكون قيام الامارة سببا لتغيير في الأحكام الواقعية أصلا إلا أنه كان هناك مصلحة في سلوك الامارة والعمل على طبقها يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند الخطأ وهذا القسم من السببية هي التي قال بها جماعة من العدلية وهي لا تستلزم التصويب أصلا فلا مانع من الالتزام بالسببية بهذا المعنى وتدارك المصالح الفائتة من جعل الامارة حجة في ظرف الانفتاح حتى لا يلزم قبح من تفويتها (فإن قلت) إذا بنينا على قبح التفويت مع عدم التدارك فلا يمكن الالتزام بتداركها بالمصلحة السلوكية على تقدير المخالفة أيضا مثلا إذا فرضنا ان الواجب الواقعي هو صلاة الجمعة يوم الجمعة وقامت الامارة على وجوب صلاة الظهر
(٦٧)