وجودها فإنه لا يوجب وصول الحكم الواقعي لا بنفسه ولا بطريقه فلا كون بيانا له فلا يكون واردا على حكم العقل بقبح العقاب على مخالفة الحكم الواقعي من دون بيان بل هو يكون واردا عليه ورافعا لاحتمال الضرر عند عدم تنجز الحكم الواقعي بمنجز واما إذا أريد من الضرر المحتمل الضرر الدنيوي فلوا استقل العقل بوجوب دفعه لحكم الشارع على طبقه بقاعدة الملازمة فإن حكم العقل بذلك واقع في مرتبة علل الأحكام الشرعية دون معلولاتها وما كان كذلك يكون مستتبعا للحكم الشرعي كما أوضحناه في بعض مباحث القطع إلا أن استقلال العقل بذلك في غير الاعراض والنفوس والأموال في الجملة ممنوع ثم إن احتمال الحرمة وإن كان مستلزما لاحتمال المفسدة بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد فإنه عليها يكون الحرمة ملازمة للمفسدة قطعا وظنا واحتمالا إلا أنه ليس كل مفسدة واقعية تكون ملاكا لجعل المتمم حال الجهل بإيجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة بل تختلف باختلاف مواردها ففي مثل موارد لأموال والاعراض والنفوس حكم الشارع بوجوب الاحتياط تتميما للجعل الأول كما أن في الشبهات الموضوعية التحريمية ثبت عدم وجوب الاحتياط فيشك في الشبهات الحكمية التحريمية في أن المفاسد الواقعية على تقدير ثبوت الحرمة واقعا هل لها الملاكية لتتميم الجعل أم لا فلا محالة يكون جعل الاحتياط مشكوكا وحيث انه لم يقم عليه دليل عقلي أو شرعي فيكون موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان واما الملاكات الواقعية فقد ذكرنا في جملة من المباحث السابقة انها خارجة عن متعلقات التكاليف وانها دواعي الجعل ليس إلا فتحصيل الملاكات أجنبي عن المكلف رأسا وعلى تقدير وجوب تحصيلها عليه فحيث انها في المقام مشكوكة والشبهة من هذه الجهة موضوعية فيكون موردا للبراءة باتفاق الأصوليين والاخباريين فتحصل ان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان هو المحكم ولو لم يتم أدلة وجوب الاحتياط وإلا لكان تلك الأدلة واردة على الحكم العقلي ومثبتا للبيان على الحكم الواقعي ثم إنه ربما توهم بعض ان حكم العقل بالقبح إنما هو في فرض عدم البيان من الشارع وأما لو فرض صدور البيان منه واختفاؤه لبعض الأمور الخارجية فلا نسلم حكمه بقبح العقاب على مخالفته فإذا احتمل المكلف حرمة شرب التتن مثلا واحتمل صدور بيانها من الشارع كما هو محل الكلام في المقام فلا يستقل العقل بقبح العقاب على تقدير وجود الحرمة واقعا وصدور بيانها من الشارع ولكن فساد هذا التوهم من الوضوح بمكان فإن لفظ البيان ليس المراد منه ما هو ظاهره بل المراد منه هو وصول الحكم على المكلف من حيث
(١٨٨)