على مجعولية السببية بنفسها فإن سببية الأكثر معلومة لا يمكن رفعها بحديث الرفع وسببية الأقل وإن كانت مشكوكة إلا أنه يلزم من ارتفاعها بحديث الرفع خلاف الامتنان وليست السببية كالتكليف حتى يقال بأن الأقل هو القدر المتيقن والشك في سببية الزائد بدفع بالأصل فإن التكليف كما عرفت ينبسط على الاجزاء ويكون كل جزء مطلوبا بنفس الطلب النفسي المتعلق بالمركب فيكون وجوب الأقل هو القدر المتيقن ووجوب الجزء المشكوك مرفوعا بحديث الرفع وهذا بخلاف السببية فإنها قائمة بالمجموع بما هو وليست ثابتة لكل جزء جزء حتى يكون سببية الأقل متيقنة وسببية الجزء المشكوك مشكوكة فترتفع بحديث الرفع نعم لو بنينا مع ذلك على أن الجزئية للسبب مجعولة تشريعا وليست متنزعة من جعل السببية للمجموع كما ينتزع الجزئية للمأمور به من الامر بالمركب لكان لرفع الجزئية المشكوكة بحديث الرفع وجه ولكن الالتزام بذلك مستحيل في مستحيل فإن الالتزام بمجعولية السببية وعدم تعلق الجعل بالمسببات عند وجود أسبابها واضح الاستحالة ضرورة ان الحكم الشرعي يستحيل ان يترشح من الموجود الخارجي والا لزم انقلاب ما هو مجعول تشريعي وزمان اختياره بيد الشارع إلى المجعول التكويني فالمجعول التشريعي مطلقا هو نفس الحكم وما يسمى بالسبب شرط له غاية الأمر انهم اصطلحوا باطلاق الأسباب على شرائط الأحكام الوضعية دون التكليفية وإلا فمرجع السبب والشرط إلى شئ واحد وقد ذكرنا مرارا ان موضوعات الاحكام شرائط لها في الحقيقة كما أن شرائطها وموضوعات لها فكل من الموضوع والشرط والسبب يرجع بعضها إلى الآخر ثم على تقدير جعل السببية فغاية ذلك أن يكون جعلها كجعل الوجوب فكما ان الوجوب المتعلق بمركب ينتزع منه جزئية المأمور به لكل جزء جزء ويستحيل جعل الجزئية من دون تعلق الامر بما هو جزء وبعد تعلقه به فلا محالة ينتزع منه الجزئية فكذلك جعل السببية لمركب يستتبع انتزاع الجزئية من كل واحد واحد من اجزائه ويستحيل جعل الجزئية لها بالاستقلال فكما ان الموجودات الخارجية تنقسم إلى موجودات متأصلة وموجودات انتزاعية فكذلك موجودات عالم التشريع تنقسم إلى موجودات متأصلة في ذلك العالم كالاحكام التكليفية وجملة من الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية ونحوهما والى موجودات انتزاعية كالجزئية والشرطية والمانعية فالالتزام بكون السببية مجعولة مع الالتزام بكون الجزئية مجعولة أيضا مستحيل في مستحيل ثم إنه قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان نسبة
(١٨٠)