قهرا بعقد الإجارة، نعم على ذلك لا بد في صحة أصل الإجارة من وجود المندوحة من جهة انه بدون المندوحة لا قدرة له على الوفاء وهي شرط صحة الإجارة فمن ذلك يبطل الإجارة حينئذ لانتفاء شرط صحتها الذي هو القدرة على الوفاء، ومن هذه الجهة يفرق العبادات عن المعاملات، حيث إنه في العبادات لا يحتاج إلى اعتبار قيد المندوحة الا من جهة ما عرفت من أن المهم عنده انما هو محذور اجتماع الضدين الذي هو بنفسه من التكليف المحال، بخلافه في المعاملات حيث إن الاحتياج إلى قيد المندوحة من جهة أصل صحة المعاملة.
واما بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي فحيث انه تسرى المبغوضية إلى الخياطة فقهرا تصير مبغوضة ومحرمة ومعه تخرج شرعا عن المالية فلا يصلح مثلها للوقوع وفاء بعقد الإجارة وحينئذ فلو كان المحل باقيا بعد ذلك فلا إشكال، حيث يجب الاتيان بالخياطة في غير المكان المغصوب والا فيبطل الإجارة لعدم بقاء المحل للوفاء.
هذا إذا كانت الإجارة على نفس الخياطة والطحن بما انهما عمل له واما لو كانت الإجارة عليهما بما انهما نتيجة عمله وفعله ففي هذا الفرض صحت الإجارة مع المندوحة ويقع الطحن والخياطة أيضا وفاء للمعاملة بلا إشكال، نظرا إلى عدم سراية المبغوضية حينئذ إليهما وبقائهما على ماليتهما لخروجهما حينئذ حقيقة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد كما هو واضح.
الأمر الثاني:
قد عرفت سابقا ان المسألة كانت من صغريات باب التزاحم دون التعارض ولو على الامتناع ومن ذلك لا بد من إحراز الملاك و المقتضى لكل واحد من الحكمين على الاطلاق حتى في المجمع كي يحكم عليه على الجواز بكونه محكوما بحكمين من المحبوبية و المبغوضية والإرادة والكراهة، وعلى الامتناع بأقوى الملاكين لو كان أحدهما أقوى ولا فبحكم آخر غيرهما مثلا. ولقد عرفت أيضا بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض وان المدار في باب التزاحم انما هو على تزاحم الملاكين في مقام التأثير في الرجحان و المرجوحية أو في عالم الوجود ومرحلة فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا، ومنه باب الاجتماع بناء على الجواز خصوصا مع عدم المندوحة، لا على تزاحم الحكمين في مقام الامتثال كما توهم والا فكما عرفت لا يكاد ينتهى النوبة إلى مقام تزاحم الحكمين حتى في المتضادين اللذين يلازم امتثال أحدهما عصيان الاخر إلى علي فرض