حدود وجود الشئ الذي بحده الخاص تقوم به المصالح والمفاسد ومعه لا يبقى مجال إلغائها عن التأثير في الصلاح والفساد بالمرة و إلحاقها بالأمور الاعتبارية المحضة التي لا يكون لها واقعية في الخروج عن حيز الصلاح والفساد، وحينئذ فلو لا الاجماع المزبور على عدم كفاية هذا المقدار من القرب من صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها أمكن تصحيح العبادة بمقتضى القاعدة بالمقدار المزبور من القرب، كما هو واضح، وكيف كان فهذا كله في اجتماع الأمر والنهي وتميز موارد الجواز والامتناع على المسالك المزبورة.
وقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المختار هو جواز الاجتماع في فرض اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على نحو كان منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه غير ما ينتزع عنه العنوان الآخر، من غير فرق بين كون العنوانين من مقولتين كعناوين الأوصاف الحاكية عن الكم والكيف والأين أو من مقولة وواحدة، كان التركيب بينهما في المجمع اتحاديا أو انضماميا، ومن غير فرق بين كون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها، ولا بين تعلق الامر بالعناوين والصور الذهنية أو بالمعنونات الخارجية، ولا بين وقوف الطلب على نفس الطبيعي أو السراية إلى الافراد، وعدم جواز الاجتماع فيما لم يكن تغاير العنوانين بهذا النحو سوأ كان اختلافهما في صرف كيفية النظر دون المنظور، أو كان اختلافهما في المنشأ وفي المنظور أيضا لكن لا بتمامه بل بجز منه، إذ حينئذ بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما يتوجه محذور اجتماع الضدين وهما الحب والبغض في أمر وحداني، ولقد عرفت أيضا ان مثل الصلاة والغصب الذي هو معركة الآراء من هذا القبيل حيث إنه بعد عدم خروج الأكوان عن حقيقتهما كان اختلافهما في جز المنشأ خاصة، لا في تمامه كما هو مقتضى القول بخروج الأكوان عن حقيقة الغصب أو القول بخروجها عن حقيقة الصلاة بجعلها عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان، ولا كان اختلافهما أيضا بالاعتبار مع اتحادهما حقيقة في تمام المنشأ كما يظهر من الكفاية () من حيث عده الصلاتية والغصبية من الاعتباريات الصرفة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة هذا كله على مسلك مكثرية الجهات جوازا ومنعا.