جعل القدرة من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط أصل التكليف وفعليته، وإلا فعلى فرض كونهما من شرائط أصل التكليف وفعليته كما هو التحقيق لا يكاد يكون مجال لوقوع المزاحمة بين الحكمين الفعليين حتى في المتضادين وجودا من جهة وضوح استحالة تشريع الحكمين حينئذ على الاطلاق في المتضادين، نظير امتناع تشريع إطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه فلا بد على هذا الملاك حينئذ من إدراج جميع هذه الموارد في باب التعارض مع أنه كما ترى. وحينئذ فلا محيص من الالتزام بما ذكرناه من المعيار بجعل المناط في باب التزاحم على تزاحم الملاكين من المفسدة والمصلحة في عالم التأثير في إيراث الحب والبغض كما في باب الاجتماع على الامتناع، أو تزاحمهما في عالم الوجود ومقام فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا، ومنه باب الاجتماع على الجواز، وإن كان الحكم الفعلي دائما على طبق أحد الملاكين في قبال باب التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين في مرحلة أصل الاقتضاء.
وعليه فكل مورد أحرز ولو من الخارج وجود الملاك والمقتضى لكل واحد من الحكمين كان ذلك من باب التزاحم الذي من لوازمه هو الاخذ بما هو الأقوى والاهم منهما ملاكا وإن كان أضعف سندا من الاخر نعم يخرج عن ذلك صورة إناطة المصلحة في قيامها بالشئ بعدم تأثير المفسدة في المرجوحية، كما في كلية التكاليف المشروطة بالقدرة شرعا عند مزاحمتها مع ما لا يكون القدرة فيه الا شرطا عقليا، كما في الحج الواجب في فرض انحصار المركوب بالدابة المغصوبة مثلا حيث إنه في هذا القسم لا يلاحظ جهة أقوائية المفسدة في مقام تقديمها على المصلحة، بل حينئذ يقدم المفسدة على المصلحة في مقام التأثير في المرجوحية الفعلية ولو كانت أضعف بمراتب من المصلحة، وذلك من جهة استحالة مزاحمة المصلحة التعليقية مع المفسدة التنجيزية، لان مانعيتها دورية فتبقى المفسدة المزبورة في رتبة تأثيرها بلا مزاحم فتؤثر في المبغوضية ولو كانت في أدنى درجة الضعف وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة وحينئذ فينحصر باب التمانع الذي يكون جهة تأثير كل من الملاكين تابع الأهمية والأقوائية بما عدا تلك الصورة، كما هو واضح.
كما أن كل مورد لم يحرز وجود المقتضى والملاك لكل من الحكمين كان من باب التعارض الذي من حكمه هو الرجوع بعد العجز عن الجمع بينهما إلى المرجحات السندية.
ثم إنه بعد ما اتضح لك ما هو كبرى المسألة وتميز ثبوتا عن كبرى باب التعارض