واما وجوب الفحص في الشبهات البدوية الحكمية فكذلك أيضا، فان وجوبه أيضا لا يكون الا عقليا محضا، اما من جهة عدم تحقق موضوع حكمه بالقبح لاختصاصه بالشك المستقر غير الزائل بالفحص عن وجود التكليف، أو من جهة منجزية احتمال التكليف للواقع على تقدير وجوده وعدم معذورية المكلف لولا الفحص في رجوعه إلى الأصول النافية، بل حينئذ لو ورد من الشارع حكم فيه بالوجوب لا يكون حكمه إلا إرشادا محضا كما هو واضح.
ومن ذلك أيضا يظهر الحال فيما ورد من الامر بوجوب التعلم كقوله: (هلا تعلمت) فإنه أيضا لا يكون الا إرشاديا محضا إلى ما يحكم به العقل من وجوب التعرض للأحكام الصادرة من الشارع والفحص عنها بالمقدار اللازم وعدم جواز الرجوع إلى البراءة والا يتوجه الجواب عنه أيضا بأنه: (ما عملت بوجوب تحصيل العلم بالأحكام الشرعية) كما أجيب عن عدم العمل بالأحكام الشرعية، فان انقطاع الجواب حينئذ كاشف عن أن وجوب تحصيل العلم من الارتكازات العقلية، وعليه فلا يكون الامر به الا إرشاديا محضا لا شرعيا مولويا.
وهكذا الكلام في بعض الشبهات الموضوعية الواجب فيها الفحص كما في باب الزكاة ومسألة الاختبار عند اشتباه الدم وتردده بين العذرة والحيض، فان الفحص في الثاني انما هو من جهة العلم الاجمالي حينئذ بإحدى الوظيفتين: اما وجوب الصلاة والصوم عليها أو حرمتهما وحرمة الدخول في المسجد، إذ حينئذ يكون وجوب الفحص أيضا واجبا إرشاديا لا مولويا. واما الفحص في الأول فهو وإن كان على خلاف القواعد الجارية في كلية الشبهات الموضوعية، ولكن نقول بان الامر بالتسبيك حينئذ انما هو من جهة رفع احتمال التكليف نظرا إلى منجزية الاحتمال المزبور حينئذ للواقع وعدم معذورية المكلف حينئذ لولاه في الرجوع إلى الأصول النافية، كما ذكرنا تحقق الكلام في ذلك في شبهات البراءة عند التعرض لوجوب الفحص عن الاحكام في صحة الرجوع إلى البراءة، وعليه أيضا لا يكون وجوب الفحص الا إرشاديا محضا. وهكذا الكلام في الأوامر الواردة في الفحص عن الماء غلوة أو غلوتين في جواز التيمم، فان ذلك أيضا لا يكون إلا إرشاديا محضا إلى حكم العقل باعتبار حكمه بمقتضى قاعدة الاشتغال بلزوم الفحص لرفع احتمال وجود الماء في الانتقال إلى التيمم.