نهاية الأفكار - تقرير بحث آقا ضياء ، للبروجردي - ج ١ - الصفحة ٢٤
لمعانيها حسب جعله سبحانه، واستدل أيضا على مرامه من عدم كون تلك العلاقة والارتباط التي بين الألفاظ ومعانيها مستندة إلى جعل المخلوق ووضعه بأمرين: أحدهما خلو التواريخ عن ذكره، فإنه لو كان الامر كذلك لكان اللازم بحسب العادة ذكره في التواريخ بان الواضع للغة العرب كان هو شخص كذا كيعرب بن قحطان كما قيل، وان الواضع للغة الفرس كان شخص كذا وهكذا بقية اللغات، لان ذلك من الأمور المهمة التي لا يمكن الغفلة عنها عادة، مع أنه لم يرد في تاريخ ان واضع لغة العرب هو شخص كذا وواضع لغة الفرس كان شخص كذا، وحينئذ فخلو التواريخ عن ذكر هذه القضية دليل عدم استناد وضع الألفاظ إلى أحد من المخلوقين.
وثانيهما من جهة عدم تناهي المعاني والألفاظ حيث إن عدم تناهيها يقتضى بعد استناد وضعها إلى المخلوقين بل امتناعه، كما هو ظاهر عند من أمعن النظر وأنصف.
أقول: وفيه ما لا يخفى، إذ نقول بأنه لو فرض من أول خلقة آدم (على نبينا وآله وعليه السلام) إلى زماننا هذا كل طائفة قد وضعوا جملة من الألفاظ لجملة من المعاني المتداولة بينهم على قدر ابتلائهم بها في إظهار ما في ضمائرهم إلى أن انتهى الامر إلى زماننا الذي قد كثر فيه اللغات وكثرت الألفاظ والمعاني، فأي محذور عادي أو عقلي يترتب عليه؟ فهل تقول في مثل ذلك بلزوم ضبطه في التواريخ أو تقول بأنه من الممتنع العادي وضع الألفاظ الكثيرة الغير المتناهية لمعان كذلك بمرور الدهور والأزمنة الكثيرة من طوائف كثيرة؟ نعم انما يتم ما ذكر فيما لو كان المدعى وضع شخص واحد أو شخصين في كل لغة وضع الألفاظ المستعملة فيها في معانيها، ولكنه لم يدعه أحد كذلك حتى يرد عليه المحذور المزبور، بل وانما المقصود من ذلك انما هو استناد وضع الألفاظ في اللغات إلى الواضعين ولو على نحو التدرج بحسب مرور الدهور والأزمنة بوضع كل طائفة من لدن زمان آدم إلى زماننا جملة من الألفاظ لجملة من المعاني التي دار عليها ابتلائهم، كما نشاهد ذلك بالعيان والوجدان من وجود كثير من المعاني والألفاظ المستحدثة في زماننا التي لا يكون لها في سالف الزمان عين ولا أثر، كما في كثير من الجوهريات والآلات، ومن المعلوم انه لو أدعاه القائل باستناد الوضع إلى المخلوقين لا يتوجه عليه شئ من المحذورين.
ثم إنه نقول: على قولك (بان الباري عز اسمه هو الواضع وانه يلهم المستعملين في مقام إظهار ما في ضمائرهم) بأنه هل تجد من نفسك عند تسميتك ولدك انه أوحى الله تعالى
(٢٤)
مفاتيح البحث: الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»