تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٦٩٩

____________________
وهو كما ترى مما ينكره الضرورة والوجدان الغني عن البيان حيث إن الطلب بما هو طلب لا يرد إلا على منوال واحد، وهو في الندب ليس إلا مثله في الوجوب من دون زيادة ونقيصة، فهو كالموت ليس من الكليات القابلة للتفاضل ولا يطرأه شدة وضعف أصلا، ولا يتفاوت أفراده في القوة وغيرها.
وما يقال: من أن الوجوب مما يتضاعف ويقبل الاشتداد كما أن التحريم مما يتضاعف ويشتد ومثلهما الندب والكراهة، فلذا حصل الاختلاف في أقسام الواجب بكون بعضها أهم وبعضها غير الأهم على اختلاف مراتبهما المقررة في فن الفقه، كالاختلاف الحاصل في أنواع المحرمات بكون بعضها أشد حرمة من بعض آخر، فإنما هو من جهة اختلاف الصفة الكامنة في الواجب والمحرم المقتضية لإنشاء الوجوب والتحريم فيهما، فإن مصالح الأفعال والتروك ومفاسدهما الكامنتين - بمعنى الخواص المترتبة عليهما - مما يتفاوت ويختلف أفراده في القوة والضعف، فكل مصلحة الفعل ومفسدة الترك في شيء إذا كانتا أقوى منهما في غيره يكون ذلك الشيء من أهم الواجبات، كما أن مصلحة الترك ومفسدة الفعل في شيء إذا كانتا أقوى منهما في غيره يكون ذلك أشد حرمة من غيره، وعلى هذا القياس المندوب والمكروه على حسب اختلاف أنواعهما في المرتبة، فلا يراد (1) منه أن صفة الطلب في بعض الواجبات وبعض المحرمات أشد منها في البعض الآخر كيف وهو غير معقول، ولا يذهب توهم ذلك إلى جاهل فضلا عن العالم.
فلا وقع لما يقال: من أن الطلب له مراتب منها مرتبة الندب وهو أولهما، ومنها مرتبة الوجوب التي تختلف أيضا باعتبار الأهمية وغيرها، كيف وأن الترتب حسبما ذكر لا يعقل إلا في موضوع واحد واختلاف الموضوعات مع تبائنها في محل البحث مما لا يفتقر إلى البيان واعتباره فيما بين الموضوعات المختلفة على فرض كونه معقولا إن كان من قبل العقل فهو قاض بخلافه، وإن كان من قبل الشرع فلا دليل عليه إن لم نقل بقيام الدليل على الخلاف، وإن كان من مقتضى طبائع الأفعال أو الصفات الكامنة فيها فهو تحكم بحت وقول لمجرد هوى النفس، وكيف كان فهذا القول مما لا ينبغي الالتفات إليه لكونه من وظيفة غير أهل العلم.
هذا كله في القول بالدلالة تضمنا والقول بها التزاما، فقد تبين ما هو الصحيح منهما

(1) جواب لقوله: " وما يقال " الخ.
(٦٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 688 689 690 692 698 699 702 704 705 706 707 ... » »»