تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٧
والتحقيق في ذلك: أن الأدلة التي استدلوا بها على أن الأمر للفور ليس مفادها، على تقدير تسليمها، متحدا. بل منها ما يدل على أن الصيغة بنفسها تقتضيه، وهو أكثرها. ومنها ما لا يدل على ذلك، وإنما يدل على وجوب المبادرة إلى امتثال الأمر، وهو الآيات المأمور فيها بالمسارعة والاستباق.
فمن اعتمد في استدلاله على الأولى، ليس له عن القول بسقوط الوجوب حيث يمضي أول أوقات الإمكان مفر، لأن إرادة الوقت الأول على ذلك التقدير بعض مدلول صيغة الأمر *، فكان بمنزلة أن يقول: " أوجبت عليك الأمر الفلاني في أول أوقات الإمكان " ويصير من قبيل الموقت. ولا ريب في فواته بفوات وقته.
____________________
الخلاف والآخر للآخر واضح لا فائدة في التعرض له، وإنما الفائدة في بيان ما يثبت به الملزومان، وإلا ففي كل خلاف يمكن تحصيل مفهومين يكونان ملزومين لطرفي الخلاف باللزوم البين، وهو كما ترى مطابق لما ذكرناه في دفع الاعتراض المذكور، إلا أنه أورد عليه بعض الفضلاء: " بأن ما ذكره العلامة بيان لمدرك الوجهين فإن القائلين بالفور لما تمسكوا في إثباته بالتبادر تفرع عليه الترديد المذكور، وكان المرجع في التعيين إلى أفهامهم، إذ لا سبيل لمن أنكر تبادر الفور من الأمر إلى تعيين كونه على أحد الوجهين ولو بعد التنزل والتسليم ".
ثم قال: " وكأن هذا هو الوجه في عدم ترجيح العلامة لأحد الوجهين، لكن يشكل:
بأنهم تمسكوا على هذا القول بالتبادر المستند إلى القرائن الحالية كما مر في الدليل الأول، فيمكن تعيين أحد الوجهين بعد التنزل والتسليم لكون التبادر ناشئا عن نفس اللفظ أو كون التبادر مع القرينة علامة للحقيقة، إلا أن يعتذر: بأن القرائن الحالية لما لم تكن منضبطة لاختلافها باختلاف الموارد لم توجب الترجيح.
نعم يرد على العلامة: أن حجج القول بالفور لم تنحصر في التبادر، فلا وجه لقصر البحث عليه " (1).
* وفيه: ما عرفت من أن مجرد كون ذلك بعض مدلول الصيغة لا يقضي بصيرورة

(1) الفصول: 78.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 271 274 285 294 ... » »»