الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٥٣
الحلف وله وجه وقد تقدم ولو مثل بمن نذر أن يعطي مصليا درهما فأعطاه لمن دخل في صلاة صحيحة ثم أفسدها كان أولى هذا و قوله وسائر العقود يحتمل أن يكون عطفا على الصلاة وأن يكون عطفا على الماهيات الجعلية لكن يشكل الأول بأن ماهيات المعاملات ليست من المجعولات في هذه الشريعة بل كانت متداولة بين أهل اللغة أيضا لظهور أن معايش الأنام لا تنتظم بدونها ولهذا يرجع في تعيين مداليلها إلى العرف واللغة بخلاف العبادات إلا أن يراد كونها مجعولة في الجملة ولو بالتقرير عليها أو باعتبار بعض الشرائط و أنها من المجعولات الشرعية في الجملة ولو في الشرائع السابقة و كيف كان فلا إشارة في كلامه إلى ثبوت الحقيقة الشرعية في الجملة و لو في الشرائع السابقة وكيف كان فلا إشارة في كلامه إلى ثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ المعاملات فما زعمه الفاضل المعاصر من أن في كلامه المذكور دلالة على مصيره إلى القول بثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ المعاملات ضعيف بل لم نظفر بحكاية هذا القول عن أحد نعم ذهب العلامة في تهذيبه إلى أن صيغ العقود منقولات في الشرع من معانيها اللغوية أعني الاخبار إلى معانيها الشرعية أعني النشاء محتجا عليه بأنه لولاه للزم الكذب أو مسبوقية كل صيغة بأخرى ويتسلسل وهذا كما ترى ليس قولا بثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ المعاملات بل في خصوص الصيغ ولا يذهب عليك ضعف ما ادعاه إذ الدليل الذي تمسك به واضح الاندفاع لان الصيغة إذا استعملت في النشاء مجازا بضميمة قرائن حالية أو مقالية لا يلزم على تقديره شئ من المحذورين ولعله مبني على القاعدة المشهورة من أن العقود اللازمة لا تنعقد بالألفاظ المجازية وهذا على تقدير تسليمه محمول على ما يكون مجازا بمادته أو ندعي أن هذه الألفاظ قد نقلت بالغلبة في أصل اللغة إلى معنى النشاء ولو بالنسبة إلى مقام العقد و يؤيد ذلك عدم ملاحظة العلاقة عند الاطلاق في مقام العقد فصل اختلفوا في استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد إلى أقوال ثالثها الجواز في التثنية والجمع دون المفرد ورابعها الجواز في النفي دون الاثبات ثم من المجوزين من ذهب إلى أن ذلك بطريق الحقيقة مطلقا ومن هؤلاء من زاد أنه ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرينة وقال بعضهم أنه بطريق المجاز مطلقا ومنهم من فصل فجعله في التثنية والجمع بطريق الحقيقة دون المفرد ولا بد قبل الخوض في الاستدلال من تحرير محل النزاع فنقول استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد يقع على وجوه أحدها أن يستعمل في معنى يتناول جميع معانيه أو جملة منها كمفهوم المسمى ولا نزاع في جوازه في الجملة فإن كان ذلك المعنى أحد المعاني التي وضع اللفظ بإزائها كان حقيقة وإلا كان مجازا ويعتبر حينئذ فيه العلاقة وهذا هو الذي يسمونه بعموم الاشتراك الثاني أن يستعمل ويراد به كل واحد من معانيه على وجه الترديد والبدلية كالنكرة سواء جعل الترديد شطرا من المعنى أو شرطا له ولا ريب في عدم جواز ذلك حقيقة خلافا لصاحب المفتاح ضرورة أن ما وضع له اللفظ كل واحد منها بعينه وهو يغاير كل واحد منها لا بعينه ولا مجازا لعدم العلاقة المصححة بل التحقيق أن الاستعمال على هذا الوجه غير معقول و إلحاقه بالنكرة قياس مع الفارق لتحقق قدر مشترك فيها يصح أخذ التقييد بالخصوصيات على وجه الترديد بالقياس إليه بخلاف المشترك إذ لا يصح اعتبار الترديد فيه ما لم يضمن أو يقدر معنى أزيد و هو متضح الفساد وقد ينزل كلام السكاكي على إرادة مفهوم أحد المعاني ويدعى رجوعه إلى القسم السابق وأما نحو مررت بأحدكم و بأحمد بالتنوين فمؤول بالمسمى لان مدلول العلم حقيقة لا يحتمل النكارة الثالث أن يستعمل ويراد به مجموع معنييه أو معانيه من حيث المجموع سواء تعلق الحكم به أيضا من حيث المجموع أو تعلق به من حيث الآحاد بأن كان كل واحد منها مناطا للحكم ومتعلقا للنفي و الاثبات وهذا أيضا كالوجه الأول مما لا نزاع في جوازه في الجملة فمع ثبوت الوضع يكون حقيقة ومع انتفائه يتبع العلاقة فيجوز معها مجازا كلفظ الشمس المشترك بين الجرم والنور إذا استعمل في المجموع حقيقة أو مجازا والفرق بين الوجه الأول وهذا الوجه أن شمول المعنى المستعمل فيه لمعانيه على الأول من قبيل شمول الكلي لافراده وعلى هذا من قبيل شمول الكل لاجزائه وهو ظاهر ومن منع الاستعمال على الوجه الأخير مدعيا عليه الوفاق فقد سها سهوا بينا الرابع أن يستعمل في كل واحد من المعنيين أو المعاني على أن يكون كل واحد مرادا من اللفظ بانفراده كما إذا كرر اللفظ وأريد ذلك وهذا قد يكون بأن يطلق المشترك على كل واحد من المعاني بملاحظة العلاقة مع الاخر أو يلاحظ الوضع في بعض والعلاقة في آخر فيكون من استعمال اللفظ في معانيه المجازية أو الحقيقة والمجازية وسيأتي الكلام في عدم جوازهما بقول مطلق مع ما فيه في محل الفرض من اعتبار العلاقة في الاستعمال وإهمال الوضع وجوازه غير واضح وقد يكون بأن يطلق ويلاحظ جميع أوضاعه أو جملة منها ويراد بحسب كل وضع معناه وهذا محل النزاع و لا فرق حينئذ بين أن يكون كل واحد منها متعلقا للحكم ومناطا للنفي والاثبات أو يكون المجموع كذلك كما في صورة التكرير و يظهر من صاحب المعالم أن النزاع في استعمال اللفظ المشترك في المعنيين أو المعاني على أن يكون كل منهما مناطا للحكم ومتعلقا للاثبات والنفي وهو غير مستقيم طردا وعكسا لدخول استعمال المشترك في مجموع معنيين أو معان حقيقة أو مجازا أو غلطا حيث يعتبر تعلق الحكم بكل واحد من المعاني بل ربما يدخل استعماله في معنى متناول لمعانيه إذا اعتبر الحكم متعلقا بكل واحد مع أن شيئا من ذلك مما لا نزاع فيه ويخرج منه استعمال اللفظ في كل واحد من معانيه على الوجه الذي قررناه في محل النزاع إذا اعتبر تعلق الحكم بالمجموع مع أن النزاع متوجه إليه إذ العبرة في المقام بكيفية استعمال المشترك لا باعتبار تعلق الحكم به ثم النزاع في المقام ينبغي أن يكون في جواز استعمال اللفظ في معنييه أو معانيه الحقيقية حقيقة ليغاير النزاعين الآتيين ولا يكون ذلك إلا إذا أريد به تمام المعنيين أو المعاني فالقول بجوازه مجازا نظرا إلى استلزامه فوات جز المعنى أعني قيد الوحدة فيكون من استعمال الموضوع للكل في الجز خروج عن محل البحث لان مرجعه إلى جواز استعماله في
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»