معنييه أو معانيه المجازية وهو نزاع آخر لا يختص مورده بالفرض المذكور وعند التحقيق يذهب هذا القائل إلى المنع فيما هو محل النزاع هنا فذكره من جملة القائلين بالجواز ليس على ما ينبغي نعم يمكن إلغاء جهة كون الاستعمال في المعنى الحقيقي على وجه الحقيقة في تحرير النزاع ويعتبر التغاير بين النزاعات الثلاثة بوجه آخر وذلك بأن يقال إذا أطلق اللفظ وأريد به كل من معنييه أو معانيه على الاستقلال فلا يخلو إما أن يكون استعماله في كل واحد بملاحظة وضعه له في الجملة سواء كان الاعتماد في الاستعمال على الوضع فقط أو على مراعاة العلاقة أيضا فهذا هو النزاع في استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه الحقيقية وإما أن يكون استعماله في كل بدون هذه الملاحظة وهو النزاع في استعماله في معنييه أو معانيه المجازية أو يكون استعماله في البعض بالملاحظة المذكورة وفي البعض بدونه وهو النزاع في استعمال اللفظ في معناه الحقيقي و المجازي وحينئذ فيمكن أن يكون استعماله في معناه الحقيقي في القسم الأول والأخير بطريق الحقيقة وأن يكون بطريق المجاز ثم استعمال المشترك في المثنى والمجموع في أكثر من معنى واحد يتصور على وجهين الأول أن يعتبر التعدد المقصود بالتثنية والجمع بالنسبة إلى أفراد كل واحد من المعنيين أو المعاني المرادة من مفرده أو بالنسبة إلى لفظه المأخوذة آحاده بمعنيين أو معان من مدلوله سواء اعتبرت الفردية للمعنى معه أو لا والأول مبني على القول باعتبار الاتحاد في معنى المفرد فإن المراد به أن يكون التعدد المستفاد من التثنية والجمع مأخوذا بالنسبة إلى المعنى الذي أريد بالمفرد وإن تعدد لا الاتحاد حقيقة فإن ذلك لا يتم إلا على القول بعدم جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد وعلى هذا فمعنى عينين فردان من الجارية وفردان من الباصرة وهكذا ومعنى عيون ثلاثة أفراد من كل واحد أو أكثر على حسب ما أريد من هيئة الجمع والثاني مبني على القول بكفاية الاتحاد في اللفظ في بنائهما فيعتبر التعدد بالنسبة إليه وعلى هذا فمعنى عيون عين مكرر ثلاثا فما زاد فيراد بكل معنيان فصاعدا على التساوي أو الاختلاف ومثله الكلام في التثنية الثاني أن يعتبر التعدد المراد منهما بالنسبة إلى الجميع من المعنيين أو المعاني سواء اعتبرت الفردية للمعنى معه أو لا أو من اللفظين أو الألفاظ المراد بكل واحد منها معنى واحد مع اعتبار الفردية وبدونه ولا خفاء في أن النزاع فيهما على الوجه الأول بقسميه إنما يتفرع على النزاع في المفرد جوازا وحقيقة ومجازا ونزاع المفصلين بين المفرد وغيره في ذلك مبني على الوجه الثاني بل القسم الثاني منه كما يشير إليه حجتهم ثم قضية إطلاق كلماتهم وأدلتهم في المقام عدم الفرق بين ما إذا كان اللفظ مشتركا بين معنيين إفراديين أو إفرادي وتركيبي لكن قد عرفت مما مر في بعض المباحث السابقة أن القائلين بالوضع في المركبات يقولون بظهورها في المعنيين حتى إنهم يلتزمون بالتجوز فيها على تقدير عدم إرادة أحد المعنيين منها أما في مفرداتها أو في المركب حيث يقولون بتعيين استعمالها بحسب كل من الوضعين إما في الموضوع له أو في غيره والعجب أنهم لم يتفطنوا الاندراج ذلك في عنوان الباب ولا لشمول أدلته له ولهذا لم يتعرض أحد منهم لنقله في المقام ثم إنهم وإن حرروا النزاع في المشترك وفسره كثير منهم عند تقسيم اللفظ إليه وإلى غيره بما يقابل المنقول والمرتجل لكن الكلام يتسرى إليهما وإلى ما يكون فيه الوضع عاما والموضوع له خاصا أيضا لجريان الأدلة التي تمسكوا بها في الجميع من غير فرق ولو حرروا النزاع في استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين فما زاد تناول الجميع من غير تكلف إذا عرفت ذلك فنقول الحق أن هذا الاستعمال غير جائز مطلقا لا في المفرد ولا في غيره لا حقيقة ولا مجازا من غير فرق بين الأقسام المذكورة لنا على أنه غير جائز في المفرد مطلقا حقيقة وجوه الأول أن الوضع على ما يساعد عليه التحقيق عبارة عن نوع تخصيص ينشئه الواضع ومرجعه إلى قصر اللفظ على المعنى و يدل عليه تعريف بعضهم له بأنه تخصيص شئ بشئ وهو الظاهر من تعريف آخرين له بأنه تعيين شئ بشئ وحينئذ فإذا وضع لفظ لمعنيين فقضية كل وضع أن لا يستعمل إلا في المعنى الذي وضع اللفظ بإزائه فإذا أطلق وأريد به أحدهما صح الاستعمال على ما هو قضية أحد الوضعين وإن أطلق وأريد به كلا المعنيين لم يصح لان قضية كل من الوضعين أن لا يراد منه المعنى الاخر ففي الجمع بينهما نقض لهما فلا يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له بحسب شئ من الوضعين لا يقال فعلى هذا البيان يلزم أن يمتنع الاشتراك سيما إذا كان من واضع واحد وخصوصا إذا وضع في زمن واحد لان قضية كل وضع نفي الاخر على ما قررت من التنافي لأنا نقول الوضع تخصيص جعلي منوط بتوظيف الواضع فلا استحالة في توارد متعددة على اللفظ الواحد في نفسه لدوران تحققه مدار الجعل والتوظيف ولا من حيث الحكمة لعدم ترتب قبح عليه ولا من حيث الاستعمال لان مراعاة ما قرره الواضع إنما يلزم المستعمل التابع لوضعه في متابعته له لا غير سواء قلنا بأن الواضع إنما يضع اللفظ الذي يستعمل على حسب وضعه أو قلنا بأنه يضع اللفظ مطلقا وأما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلانه وإن أطلق الوضع إلا أنه لا يقع إلا مقيدا بمعنى أن مقتضاه لا يلزم لغير المتبع له لعدم مساعدة ما يدل على اعتباره على إطلاقه وظاهر أن الواضع لا يتبع في شئ من أوضاعه وضعا آخر فلا يلزمه أحكامه هذا على ما يقتضيه النظر الصحيح في المقام و لقائل أن يقول لا نسلم أن الوضع عبارة عن قصر اللفظ على المعنى والحد الدال عليه ممنوع أو مؤول بل عبارة عن جعل المعنى لازما للفظ وتابعا له فأثر الوضع إنما هو تحقق هذا للزوم والتبعية دون الاختصاص وعلى هذا فلا يكون في استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ما ينافي مقتضى الوضع لجواز أن يكون لملزوم واحد لوازم وتوابع عديدة ولا يخفى بعده الثاني الاستقراء فإنا تتبعنا لغة العرب من قديمهم وحديثهم وتصفحنا في موارد استعمالاتهم ومجاري كلماتهم فلم يتحقق عندنا صدور مثل هذا الاستعمال ممن يعتد منهم بكلامه في نظم ولا نثر بل تصفحنا فلم نقف على ذلك في سائر اللغات
(٥٤)