قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي ان يحتاج إلى المدعو بعد قليل، لأنا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا لمعلمه ولو بعد حين، ورأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو، وفي ذلك تحير الجاهلون وشك المرتابون وظن الظانون، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الرسل بما فيه الفصل، ولم ينه عن الهزل، ولم يعب الجهل، ولكن الناس لما سفهوا الحق وغمطوا النعمة واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله واكتفوا بذلك دون رسله والقوام بأمره وقالوا: لا شئ الا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا، فولاهم الله ما تولوا وأهملهم الله وخذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون، ولو كان الله رضى منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلا لما - بينهم ولا زاجرا عن وصفهم، وانما استدللنا ان رضى الله غير ذلك ببعثه الرسل بالأمور القيمة الصحيحة والتحذير عن الأمور المشكلة المفسدة ثم جعلهم أبوابه وصراطه والأدلاء عليه بأمور محجوبة عن (1) الرأي والقياس فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يزدد من الله الا بعدا، ولم يبعث رسولا قط وان طال عمره قابلا من الناس خلاف ما جاء به حتى يكون متبوعا مرة وتابعا أخرى، ولم ير أيضا فيما جاء به استعمل رأيا ولا مقياسا حتى يكون ذلك واضحا عنده كالوحي من الله، وفي ذلك دليل لكل ذي لب وحجى ان أصحاب الرأي والقياس مخطؤن مدحضون وانما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل فإياك أيها المستمع ان تجمع عليك خصلتين، إحداهما القذف بما جاش به صدرك واتباعك لنفسك إلى غير قصد ولا معرفة حد، والأخرى استغناؤك عما فيه حاجتك، وتكذيبك لمن إليه مردك، وإياك وترك الحق سأمة وملالة وانتجاعك الباطل جهلا وضلالة، لأنا لم نجد تابعا لهواه جائرا عما ذكرناه قط رشيدا فانظر في ذلك. وفي الكافي باسناده عن أمير المؤمنين (ع) في حديث طويل (2) ومن عمى نسى الذكر واتبع الظن وبارز خالقه قيل: المراد بالذكر
(١٢٤)