أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٩٠
* (والله قدير) * يشعر بأنه فاعل ذلك لهم، وقد جاء ما يدل على أنه فعله فعلا في سورة النصر حين دخل الناس في دين الله أفواجا، وقد فتح الله عليهم مكة وكانوا طلقاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك موقف أبي سفيان وغيره، وعام الوفود إلى المدينة بعد الفتح، وفي التذييل بأن الله قدير، يشعر بأن تأليف القلوب ومودتها إنما هو من قدرة الله تعالى وحده، كما بينه قوله تعالى: * (لو أنفقت ما فى الا رض جميعا) *.
لأن المودة المتوقعة بسبب هداية الكفار، والهداية منحة من الله: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. والعلم عند الله تعالى.
* (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولائك هم الظالمون * ياأيها الذين ءامنوا إذا جآءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وءاتوهم مآ أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذآ ءاتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا مآ أنفقتم وليسألوا مآ أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم * وإن فاتكم شىء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل مآ أنفقوا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون * ياأيها النبى إذا جآءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم * ياأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الا خرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) * قوله تعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولائك هم الظالمون) *. اعتبر بعض المفسرين الآية الأولى رخصة من الآية في أول السورة، ولكن في هاتين الآيتين صنفان من الأعداء وقسمان من المعاملة.
الصنف الأول: عدو لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم. فهؤلاء تعالى في حقهم * (لا ينهاكم الله) * * (أن تبروهم وتقسطوا إليهم) *.
والصنف الثاني: قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم، وهؤلاء يقول تعالى فيهم: إنما ينهاكم الله أن تولوهم إذا فهما قسمان مختلفان وحكمان متغايران، وإن كان القسمان لم يخرجا عن عموم عدوي وعدوكم المتقدم في أول السورة، وقد اعتبر بعض المفسرين الآية الأولى رخصة بعد النهي المتقدم، ثم إنها نسخت بآية السيف أو غيرها على ما سيأتي.
واعتبر الآية الثانية تأكيدا للنهي الأول، وناقش بعض المفسرين دعوى النسخ في الأولى، واختلفوا فيمن نزلت ومن المقصود منها، والواقع أن الآيتين تقسيم لعموم العدو المتقدم في قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أوليآء) *، مع بيان كل قسم وحكمه، كما تدل له قرائن في الآية الأولى، وقرائن في هاتين الآيتين على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
أما التقسيم فقسمان: قسم مسالم لم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم،
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»