أنها محكمة وباق العمل بها عند اللزوم، ومفهومه أن المؤمنين إذا كانوا في حالة قوة وعدم خوف وفي مأمن منهم، وليس منهم قتال، وهم في غاية من المسالمة فلا مانع من برهم بالعدل والإقساط معهم، وهذا مما يرفع من شأن الإسلام والمسلمين، بل وفيه دعوة إلى الإسلام بحسن المعاملة وتأليف القلوب بالإحسان إلى من أحسن إليهم، وعدم معاداة من لم يعادهم، ومما يدل لذلك من القرائن التي نوهنا عنها سابقا ما جاء في التذييل لهذه الآية بقوله تعالى: * (إن الله يحب المقسطين) * فهذا ترشيح لما قدمنا كما قابل هذا بالتذييل على الآية الأخرى: * (ومن يتولهم منكم فأولائك هم الظالمون) *، ففيه مقابلة بين العدل والظلم فالعدل في الإحسان، والقسط لمن يسالمك، والظلم ممن يوالي من يعادي قومه.
ومما ينفي النسخ عدم التعارض بين هذا المعنى، وبين آية السيف، لأن شرط النسخ التعارض، وعدم إمكان الجمع، ومعرفة التاريخ، والجمع هنا ممكن والتعارض منفي، وذلك لأن الأمر بالقتال لا يمنع الإحسان قبله، كما أن المسلمين ما كانوا ليفاجئوا قوما بقتال حتى يدعوهم إلى الإسلام، وهذا من الإحسان قطعا، ولأنهم قبلوا من أهل الكتاب الجزية، وعاملوا أهل الذمة بكل إحسان وعدالة.
وقصة الظعينة في صحيح البخاري صاحبة المزادتين لم يقاتلوها أو يأسروها أو يستبيحوا ماءها بل استاقوها بمائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ من مزادتيها قليلا، ودعا فيه ورده، ثم استقوا وقال لها: اعلمي أن الله هو الذي سقانا ولم تنقص من مزادتيك شيئا، وأكرموها وأحسنوا إليها وجمعوا لها طعاما، وأرسلوها في سبيلها فكانت تذكر ذلك، وتدعو قومها للإسلام.
وقصة ثمامة لما جيء به أسيرا وربط في سارية المسجد، وبعد أن أصبح عاجزا عن القتال لم يمنعهم من الإحسان إليه، فكان يراح عليه كل يوم بحليب سبع نياق حتى فك أسره فأسلم طواعية، وهكذا نص قوله تعالى: * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله) *.
ومعلوم أنه لم يكن ثم أسير بيد المسلمين إلا من الكفار.
وفي سنة تسع وهي سنة الوفود، فكان يقدم إلى المدينة المسلمون وغير المسلمين، فيتلقون الجميع بالبر والإحسان كوفد نجران وغيرهم وها هوذا وفد تميم جاء يفاخر