فعليه يكون المراد بعدوي وعدوكم هنا، خصوص المشركين بمكة.
وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، وقصة الرسالة مع الظعينة لأهل مكة قبل الفتح بإخبارهم بتجهز المسلمين إليهم مما يؤيد المراد بالعدو هنا، ولكن، وإن كانت بصورة السبب قطعية الدخول إلا أن عموم اللفظ لا يهمل، فقوله * (عدوى وعدوكم) *، وقوله: * (وقد كفروا بما جآءكم من الحق) * يشمل كل من كفر بما جاءنا من الحق كاليهود والنصارى والمنافقين ومن تجدد من الطوائف الحديثة.
وقد جاء النص على كل طائفة مستقلة، ففي سورة المجادلة عن المنافقين قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم) *.
وتكلم عليها الشيخ رحمة الله تعالى عليه.
وعن اليهود في سورة الحشر كما تقدم، وعن اليهود والنصارى معا قوله تعالى: * (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أوليآء) *.
ومن الطوائف المحدثة كل من كفر بما جاءنا من الحق من شيوعية وغيرهم، وكالهندوكية، والبوذية وغيرهم، ومما يتبع هذا العموم ما جاء في قوله تعالى: * (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أوليآء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلواة اتخذوها هزوا ولعبا ذالك بأنهم قوم لا يعقلون) *.
فكل من هزىء بشيء من الدين أو اتخذه لعبا ولهوا فإنه يخشى عليه من تناول هذه الآية إياه.
تنبيه ذكر المقابلة هنا بين عدوي وعدوكم أولياء فيه إبراز صورة الحال وتقبيح الفعل، لأن العداوة تتنافى مع الموالاة والمسارة للعدو بالمودة، وقد ناقش بعض المفسرين قضية التقديم والتأخير في تقديم عدوي أولا، وعطف عدوكم عليه، فقال الفخر الرازي: التقديم لأن عداوة العبد لله بدون علة، وعداوة العبد للعبد لعلة، وما كان بدون علة فهو مقدم على