أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٨٣
لأن الله ناداهم بوصف الإيمان مع قوله: * (ومن يفعله منكم فقد ضل سوآء السبيل) * فلم يخرجهم بضلالهم عن عموم إيمانهم، ويشهد لهذا أن الضلال هنا عن سواء السبيل لا مطلق السبيل. قوله تعالى: * (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعدآء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون) *. يثقفوكم: أي يدركوكم، وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله، والرمح المثقف المقوم.
قال الراغب: ثم يتجوز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة، قال تعالى: * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) *، وقال * (فإما تثقفنهم فى الحرب) * ا ه.
فهذه نصوص القرآن في أن الثقافة بمعنى الإدراك، وقوله تعالى * (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعدآء) *، نص على أن العداوة وبسط اليد واللسان بالسوء، يكون بعد أن يثقفوهم مع أن العداء سابق بإخراجهم إياهم من ديارهم، فيكون هذا من باب التهييج وشدة التحذير، وأن الذي يكون بعد الشرط هو بسط الأيدي بالسوء لأنهم الآن لا يقدرون عليهم بسبب الهجرة، ومن أدلة القرآن على وجود العداوة بالفعل لدى عموم من دون المؤمنين في قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضآء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر) * فقوله: من دونكم يشمل المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وقوله: * (ودوا ما عنتم) * أي في الحاضر، وقوله: * (قد بدت البغضآء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر) * لم يتوقف على الشرط المذكور في إن يثقفوكم، فهم أعداء، وقد بدت منهم البغضاء قولا وفعلا.
وعلى هذا تكون الآية إعلان المقاطعة بين المؤمنين، ومن دونهم وقوله: وودوا لو تكفرون، قد بين تعالى سبب ذلك بأنه الحسد كما في قوله تعالى: * (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) *.
وقال تعالى: * (فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) * إلى قوله
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»